دكتور علاء رزق يكتب..فرض القوة ومبدأ التنمية (٢)
د. علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام
تناولنا فى المقال السابق كيف قدم الإقتصاد المصرى طوال أكثر من تسع سنوات دلائل قوية على مرونته وكفاءته وجدارته، وكيف أن القيادة المصرية تحاول أن تقتنص الفرص وأنصاف الفرص من الدخول فى التجمعات الدولية لإستكمال خارطة الطريق الاقتصادى ،عبر الإستمرار فى برنامج الإصلاح الاقتصادي،لذا تسعى القيادة المصرية إلى إستعادة المسار الإصلاحي،بالتركيز على ثلاثة محاور هي: السياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاحات الهيكلية، مع وضع الخطط الكفيلة بالإستمرار فى تنفيذ مجموعة كبيرة من الإصلاحات، منها إقرار العديد من الحوافز، وتعديل قانون الإستثمار، وغير ذلك من القرارات والإجراءات التي تسهم في تشجيع وجذب الاستثمارات لمختلف القطاعات.والتأكيد على النظرة التنبؤية والعلمية للرئيس عبد الفتاح السيسى التى ساهمت فى تحويل مصر الى منصة تصنيع تستهدف إنتاج صناعات متطورة على غرار الدول المتقدمة، وأنه من المرجح أن يتخطى حجم الناتج الإجمالي المصرى عتبة التريليون دولار في2030 قريبا، وإيماناً بأن مسار نمو القوة الاقتصادية المصرية في المستقبل مستمر بسبب التحسن التدريجي لبيئة الأعمال، وإعتزازا بجهود مصر فى مكافحة الفساد خاصة الإدارى، فقد أدى ذلك إلى تعزيز ثقة المستثمر، ليصبح وجهة جاذبة أكثر للإستثمارات الأجنبية ، ومن المرجح أن النمو المستقبلي لحجم الإقتصاد المصرى قد ينافس إقتصادات عريقة بحلول 2030 حتى 2050، واستكمالا فلا بد أن نشير بداية إلى أن السـمة العامـة للأزمات هـي الإستمرار بيــن عــام وآخر،والمؤكـد أنـه لا توجـد حلـول عسـكرية لأغلب هـذه الأزمات، وحتـى عندمــا تنفجــر الأزمة فــي شــكل حــروب فـلا بد فى النهايـة مـن الجلـوس علـى مائـدة المفاوضـات، والمؤكد أيضا أن الأزمات الدولية ليست منفصلة عن بعضهـا بـل تتداخل وتتشـابك وتطـرح كل منهـا تداعياتهـا علـى
ً الأخرى، وفــي هذا الصدد تتداخل أيضا عناصر السياسة الداخلية والخارجية للدول،
لذا فإن تعاملنا مع المتغيرات والتحديات يتطلب وضع مسارات تصحيحية لهذه المعوقات التى قد تطيح برؤيتنا فى ٢٠٣٠، وتتمثـل هـذه التحديات فـي وجود تغيـرات فى معدلات زيادة السكان وصلت إلى 2,6% وقـد تعرضت هذه المعدلات للزيادة،مـع شـبابية التركيبة السـكانية، ويتطلـب هـذا اسـتثمارا فـي البشر خاصـة فيمـا يتعلـق بالتعليـم والرعايـة الصحيـة ونظـم الضمـان الإجتماعي .ومع سـرعة وتيـرة الإنتقال للحضـر ومتطلباتهـا التنظيميـة لمنــع العشــوائية وزيــادة البطالــة ومــا تســتلزمه مــن إســتثمارات ضخمــة فــي البنيــة الأساسية والتكنولوجيــة.حيث تفيد الإحصائيات أن عدد سكان مصر عام 2050 سيبلغ 150 مليوناً ،ولكن المشكلة الحقيقية أنه فى عام 2040 ستبلغ نسبة سكان الحضر حوالى 67% من إجمالى عدد السكان (لأول مرة ) والنسبة الباقية حوالى 33%للريف ، وهو ما يمثل انقلاب حقيقى فى توزيع السكان بين الريف والحضر ، كذلك فإن تفشـي الاوبئـة المعديـة والأمراض المتوطنـة والمزمنـة، وأعبـاء تدبيـر تكلفـة الوقايـة والعـلاج أصبحت فوق قدرات الدولة، وهو ما قد حدث أثناء جائحة كورونا بإنفاق المليارات ، ومع اضطـراب أسـواق السـلع الرئيسـة كالغذاء والطاقــةوالذهــب والخامــات والبورصـات الماليـة المرتبطـة بهـا وبأسـهم الشـركات المتداولـة، وتقلـب أسـواق الســندات والديــون والعائــد عليهــا ومــا يســتلزمه ذلــك مــن حتمية تفعيــل للسياســات النقديــة والماليــة العامــة والتنســيق بينهمــا، ومع مـا قد يترتـب علـى مـا يطلـق عليـه بالثـورة الصناعيـة الرابعـة وتأثيرهــا علــى أسـواق العمـل والتجـارة ورؤوس الامـوال، وتوزيـع الدخـول. وهـذا يسـتلزم إتقـان علــوم الثــورة الصناعيــة الجديــدة والتواكــب معهــا ببنيــة متطــورة للاقتصــاد الرقمــي ومســتحدثات تكنولوجيــا المعلومــات والــذكاء الاصطناعــي. ويرتبــط بذلــك بضرورة تبنــي سياســات متكاملــة للتعامــل مــع البيانــات والحقوق والالتزامات المرتبطة .وعلى هذا الأساس فقد أسهمت السياسات الإقتصادية المتوازنة التي اتبعتها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية، بناء على رؤية ودراسات استراتيجية وعلمية في إفساح المجال أمام مسار نمو مستدام وشامل للإقتصاد الوطني، مما ساعد على تحفيز المستثمرين وطمأنتهم على المناخ الاقتصادي وبيئة الأعمال وتشجيعهم على ضخ المزيد من الاستثمارات، خاصة مع قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المختلفة في موعد استحقاقها، لتجدد مؤسسات التصنيف الائتماني ثقتها في ثبات وصلابة الاقتصاد المصري، وتعامله الإيجابي مع الأزمات المختلفة داخلياً وخارجياً ،وفي هذا الصدد توقع البنك الدولي ان تحقق مصر هذا العام نمواً اقتصادياً يصل الى 3.5% في ظل إستمرار الاوضاع الإقتصادية العالمية المتسمة بزيادة حالة عدم اليقين، وزيادة حدة التوترات الجيوسياسية التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط ،مع توقع إرتفاع هذه النسبة لتصل الى حوالي 4% إيمانا بقدرات مصر التنظيمية ،وفي ظل نمو عالمي متباطئ متوقع له أن يصل إلى 2.4% هذا العام. وبالتالي فإن ما نؤكد عليه أن ما يحدث من تسريع لوتيرة الإستثمارات وتعزيز أطر سياسات المالية العامة هما حائط الصد الحقيقي أمام عدم ضياع فرص استثمارية حقيقية، وتحقيق الأهداف الإنمائية الرئيسية بحلول عام 2030 ، وان ضمان وجود حزمة شاملة من السياسات الواعدة سيكون داعم لتحقيق الطفرة الإستثمارية المستدامة، وأنه يمكن أن يكون هناك جني للمكاسب الإقتصادية عندما نعمل على تسريع وتيره نمو نصيب الفرد من الإستثمارات إلى 4% على الأقل.وبالتالى فان القدرات التنظيميه العالية التى تتحلى بها القيادة المصرية تضمن لها مسارات تنموية واقتصادية، تستطيع من خلالها ان تتبوا المكانة التي تريدها وتحلم بها لشعبها العظيم.