دكتور علاء رزق يكتب.. مستقبل التكتل النامي
د. علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية
إستطاعت المشروعات الصغيره والمتوسطة أن تكون هي القاسم المشترك لنمو وتقدم الكثير من الدول ذات الاقتصاديات القوية وهو ما فطنت إليه القيادة السياسية والتى أولت للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أهمية خاصة، والتى تمثل ما يقرب من 65% من هيكل الاقتصاد المصري. وللتأكيد على هذا التوجه قدم الرئيس عبد الفتاح السيسي دعما غير مسبوق لهذه المشروعات بكافة أنواعها، فعهد الرئيس السيسي هو الأكثر دعما لهذا القطاع، كما شهد قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر حالة من الإهتمام والتطوير والدعم من قبل الدولة المصرية في كافة المجالات.وفي هذا الصدد، فقد اكدت رؤية مصر عبر توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسى،بضرورة مواصلة الجهود التي يقوم بها جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لدعم وزيادة حجم هذه المشروعات والتى تجاوز عددها 3,5 مليون منشآة وعلى النحو الذي يلبي إحتياجات رواد الأعمال من شباب مصر في القطاع الخاص، للمساهمة في تحويل الطاقة الكامنة لديهم إلى واقع فعلى ،وإطلاق طاقاتهم الإبداعية والإستثمارية، مع التركيز على قطاعي الصناعة والزراعة، في إطار الخطة الشاملة لتعميق التصنيع في مصر وزيادة الصادرات الصناعية والزراعية بصورة تتوافق مع هدف تحقيق 100مليار صادرات سلعية غير بترولية خلال الفترة القادمة،مع ضرورة إستمرار العمل الجاري لتحديث استراتيجية الجهاز، ودعم عملية التحول الرقمي به، وتحقيق الشمول المالي، والإعتماد على الإقتصاد الأخضر، بما يتكامل مع جهود الدولة لتطوير الاقتصاد المصري وزيادة تنافسيته.ولما كنا نعمل من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وبرنامج العمل اللائق لمنظمة العمل الدولية، فلا يمكننا أن نتجاهل إمكانات المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتحديات التي تواجهها. حيث تركز القيادة المصرية حالياً جهودها على تمويل وإقامة أو تحديث المشاريع الضخمة في البنية التحتية والطاقة. غير أنه، وعلى الرغم من حيوية هذه المشاريع وأهميتها في توفير المناخ الجاذب للإستثمار، فإن التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يقل أهمية عنها. ويعود السبب في ذلك إلى أهمية الأخيرة في توفير سلع الإستهلاك اليومي، وفرص العمل للشباب. ففي الدول الصناعية والصاعدة توفر المشاريع الصغيرة والمتوسطة نحو 70 % من فرص العمل، لاسيما للشباب الذي يعمل على تطبيق أفكاره الخلاقة والمبدعة. ويزيد من أهمية ذلك أن الشباب يشكلون أكثر من 70% في المجتمع المصري وأن ربعهم حسب تقديرات غير رسمية عاطل عن العمل.
لذا تساعد المشروعات الصغيرة فى سد إحتياجات السوق المحلى، وتساهم فى تقليل فاتورة الإستيراد نظراً لدورها فى تحسين الإنتاجية وزيادة المعروض من بعض المنتجات فى السوق المصرية، وكذلك فإنها تقدم المزيد من فرص العمل وتساهم فى تشغيل ملايين الشباب مما يقلل نسبة البطالة. فعلى مدار الخمس سنوات القادمة، يتوقع إنضمام 3.5 مليونا من الشباب إلى سوق العمل، مما سيجعل استيعابهم بمثابة تحد يواجه مصر. ورغم ذلك، فهو يخلق فرصة هائلة لتسريع النمو – إذا تمكنت مصر من العمل على بزوغ قطاع خاص قوي ونشط لتشغيل هذا الجيل من العمالة في وظائف منتجة. فعلى مدار عدة عقود سابقة، كان القطاع الخاص في مصر أقل ديناميكية وأكثر اتجاها إلى الخارج مما هو الحال في البلاد المناظرة، مع وجود نسبة بسيطة من الشركات القادرة على المنافسة خارج السوق المحلي. ولتعزيز التقدم في تنمية القطاع الخاص وتحقيق نمو يقوده التصدير، توسعت الحكومة في جدول أعمال الإصلاحات الهيكلية في ظل برنامجها الوطني للإصلاح الإقتصادي والذى نجحنا فيه خلال التطبيق الاول عبر تحقيق اعلى معدلات نمو اقتصادي على مستوى العالم، وفى المرحلة الثانية التى واكبت اخطر أزمتين عالميتين خلال فى العصر الحديث وهما ازمة جائحة كورونا والازمة الروسية الأوكرانية، والتى القت بظلالها على إرتفاع معدلات التضخم بصوره غير مسبوقه كذلك ظهور ازمه الطاقه بصورة لم يعهدها العالم، إضافة إلى تقلص سلاسل التوريد بصورة تعكس واقع قد يكون سلبياً على الآمن الغذائي العالمي، وتضافر معه تزايد حده ازمة المناخ على مستوى العالم،لذا شرعت الحكومة المصرية عبر برنامج الإصلاح الٱقتصادي الثاني فى نوفمبر 2021 في إصلاحات لرفع كفاءة تخصيص الأراضي، وتقوية المنافسة والمشتريات العامة، وزيادة شفافية المشروعات المملوكة للدولة، والتصدي للفساد بكل صورة وإشكالة ، وبالتالي فإن ما نؤكد عليه ان المشروعات الصغيرة والمتوسطة ركائز أساسية لمستقبل العمل، وذلك ليس لإستحداث العمالة والنمو الاقتصادي فحسب، بل أيضاً لحفز الابتكار والمنافسة في الأسواق. لكن بإمكان المشروعات الكبيرة أن تستثمر أكثر في التدريب والمعدات وتدفع أجوراً أعلى وتوفر ظروف عمل أفضل، وبالتالي فهي تتفوق على المشروعات الصغيرة والمتوسطة عندما يتعلق الأمر بالإنتاجية ونوعية العمالة. لذا تؤدي هذه الثغرة في الإنتاجية إلى انخفاض مستوى توليد الدخل وانتشار السمة غير المنظمة وضعف أداء النمو. ولسد هذه الثغرة، علينا أولاً أن نفهم المشاكل التي تواجهها المشروعات الصغيرة والمتوسطة،سواء من منظور أصحاب العمل أو من منظور المستخدمين، وثانيا محاولة إيجاد الحلول العلمية والعملية لهذه المشاكل والمعوقات ، والتالي فإننا نرى انه لتعظيم الإستفادة من هذا التكتل النامى وهو المشروعات الصغيرة والمتوسطة ،ضروره الإهتمام بالتعليم الفني وتطويره وكذلك مراكز التدريب المهني في جميع المحافظات بما يساهم في الارتقاء بالمستوى المهني للخريجين ،كذلك يجب ان تكون هناك إستراتيجية لخلق نوع من التكامل بين الصناعات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة من خلال إسناد بعض او كل احتياجاتها من مكونات التصنيع إلى المشروعات الصغيرة، كذلك يجب ان ترتكز هذه الإستراتيجية على وضع خطط للتنمية ترتبط بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال انشاء بنك متخصص لها او تفعيل دورها في وزارة الصناعه والتجاره لتحقيق تنمية عالية وزياده قدراتها التصديرية ،مع التفعيل الشامل لقانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، الصادر بالقانون رقم 152 لسنة 2020، بتقديم حوافز للشركات والمنشآت الداعمة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وريادة الأعمال، والتى تقوم بتمويل هذه المشروعات
مع عدم إغفال دور مؤسسات المجتمع المدني في توفير التمويل والدعم لهذه المشروعات في ظل ما لديها من خبرة في التعامل مع المشروعات الصغيرة باساليب غير تقليدية، كذلك فان التوسع في انتشار الشركات الداعمه للمشروعات الصغيرة والمتوسطه مثل شركات التأجير التمويلي سيكون له دور كبير في التشجيع على دمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي عبر تقديم حزمه حوافز ومزايا لهذه المشروعات الصغيرة والمتوسطك، الآمر الذي سينعكس حتماً على معالجة عجز الموازنة العامة للدولة بصورة دائمة عبر زيادة حصيلة الإيرادات الضريبية من 923 مليار جنية حالياً إلى المستوى المقبول عالمياً وهو ان تكون حصيلة الإيرادات الضريبيه 25% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، وبالتالي ضروره ان تصل هذه الحصيلة الضريبية الى ما يقرب من 3000 مليار جنية وهو ما سيكون داعما حقيقياً لمعالجة العجز المزمن في الموازنة العامة للدولك بالاضافة إلى زيادة حصيلة الإستثمار في المشروعات الحكومية القائمة والمستقبلية ،بما يخدم توجهات مصر الحقيقية الساعية نحو توفير فرص العمل اللازمة ، والائقة لأبناء وشباب هذا الوطن العظيم .