دكتور علاء رزق يكتب..التداعيات الإقتصادية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي
ألقى الصراع الدائر الآن بين إسرائيل وفلسطين ، بظلاله القاتمة على الإقتصاد العالمي المنهك أصلاً، والذي لا يزال يحتاج إلى وقت للتعافي من جائحة «كوفيد – 19» والأزمة الروسية – الأوكرانية.وزاد من حالة القتامة ما أعلنه صندوق النقد والبنك الدوليين خلال إجتماعات مراكش بدولة المغرب مؤخرا ، بالإعلان عن خفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي في العام المقبل إلى 2.9 % بتراجع 0.1 % عن التوقعات السابقة، حين بدأت تتسارع الأنباء حول النزاع المستجد. والأثر الفوري الذي حدث بعد اندلاع الأزمة الجديدة فى فلسطين، من إرتفاع أسعار النفط وإلغاء رحلات سياحية بالجملة من جميع دول العالم، وتوقف بعض المصانع وخطوط الإنتاج الإسرائيلية، وإلغاء مؤتمرات دولية في قطاع التكنولوجيا في إسرائيل،
مع توقع تأثيرات سلبية على تدفقات الاستثمارات الأجنبية في قطاع التكنولوجيا تحديدا والذى تتفاخر به اسرائيل، حيث تراجع إلى المركز العاشر عالمياً بعد أن كان فى المركز الخامس العام الماضي، وذلك في آخر تصنيف له،فقطاع التكنولوجيا في إسرائيل قد بدأ نزيفاً حتى قبل الحرب الحالية بعد نزوح أكثر من 60 مليار دولار منه نتيجة للأزمة الداخلية وانعكاسات الصراع على ملف القضاء. ووسط تفاقم حالة عدم اليقين السياسي في أنحاء الشرق الأوسط، قفزت أسعار النفط أكثر من 4%، هذه النسبة ستصل إلى 10% فى حالة دخول أطراف من دول الطوق كحزب الله اللبنانى،ولكنها ستصل إلى 100% فى حالة دخول أطراف إقليمية مثل إيران إلى دائرة هذا الصراع. النجاح الحقيقي للجانب الفلسطيني هو إطالة أمد الصراع الدائر الآن ،لأن المشكلة الحقيقية للجانب الإسرائيلي ستكون في التعبئة العامة، ونظراً لوجود جيل كامل من الاحتياط من الشباب الإسرائيلي والذى يعمل بشكل أكبر فى التكنولوجيا والاتصالات وأسواق المال والاستثمار. فعدد هائل من هؤلاء سيضطرون لترك وظائفهم والإلتحاق بوحداتهم العسكرية،وهو ما سيؤدي لاضطراب كبير في الناتج المحلي لإسرائيل فى المرحلة المقبلة ، وقد بدأت هذه الشواهد تظهر بعد أن طالبت السلطات إسرائيل بدعم أمريكي طارئ قيمته 10 مليارات دولار. بكل تأكيد فكلما طالت هذه الأزمة أو العدوان على غزة وتوسعت زاد النزيف الاقتصادى، لكن الضرر على الاقتصاد الفلسطيني سيكون أقل منه على الاقتصاد الإسرائيلي بسبب هيكل وطبيعة الاقتصاد الفلسطيني الذى يعتمد على الاعانات الدولية بنسبة 80% ،مع معاناة المجتمع الفلسطيني لنسبة فقر تزيد عن 70%،
وما نريد التأكيد عليه أن زيادة حالة عدم اليقين التى يعيشها العالم الآن سببها الأساسى هو عدم القدرة من جانب البنك الفيدرالي الأمريكي على قراءة المشهد الإقتصادى العالمى أثناء إندلاع الأزمة الروسية- الأوكرانية ، والتى أكد على أنها أزمة طارئة لا يتطلب الأمر إتخاذ أى قرار بخلاف رفع سعر الفائدة لمرة واحدة فقط ،ولكن تطلب الأمر رفع مستوى الفائدة لأكثر من تسع مرات منذ الأزمة الأوكرانية ، مما أضر بالاقتصاديات العالمية نتيجة السياسة النقدية التشددية للفيدرالى الأمريكي ،فالاقتصاد العالمي يواجه تحديات أبرزها التضخم وتشديد السياسة النقدية على مستوى العالم،وارتفاع أسعار الطاقة ، فضلا عن تقلص سلاسل التوريد العالمية ،وهو الأمر الذى سيؤثر بصورة سلبية على ظاهرة العولمة ،وحال تراجع العولمة فإن دول العالم ستكون أمام بيئة اقتصادية عالمية أقل قدرة على المنافسة ما يزيد من الضغوط التضخمية وارتفاع الأسعار ما قد يؤدي إلى زيادة معدلات الفائدة. وعلى الجانب الآخر وهو الجانب السياسى، فقد تمت قراءة المشهد بصورة خاطئة أيضاً ،حيث أكدت وثيقة تابعة للمخابرات الأمريكية (قبل حدوث الصراع الفلسطيني الاسرائيلي) ان وجود ان إحتمال نشوب صراع في المنطقة أمر ضعيف للغاية، خاصة من قبل حزب الله اللبناني او من قبل حركة حماس الفلسطينية أو حتى سوريا تجاة اسرائيل ،ولكن يوم 7 أكتوبر 2023 حدث العكس تماما ،وبالتالي فإن عدم القدرة على قراءة المشهد سواء الإقتصادي أو السياسي، أدت إلى زيادة حالة عدم اليقين وبالتالى عدم القدرة على إتخاذ القرارات المناسبة،الامرالذى سيساعد على زيادة حدة الأزمات في منطقه الشرق الأوسط ،وعلى مستوى العالم ،في ظل توقعات بأن يؤدي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى خسائر إقتصادية على مستوى العالم قد تصل إلى تريليون دولار، ولكن فى المقابل فالأحداث الحالية قد تكون محركا لحل الدولتين الذي تبنته الإدارة الأميركية، فالإسرائيليون باتوا مقتنعين تماماً بأنه لا جدوى إطلاقا من الإستمرار في فرض الأمر الواقع، وأن الحصول على السلام لن يتحقق إلا بحصول الفلسطينيين على حقوقهم، خاصة في ظل مخاوف تل أبيب من موقف عرب 48 الذين يصل عددهم لنحو مليوني نسمة، ورغم حملهم الجنسية الإسرائيلية لكنهم تضامنوا مع إخوانهم في الضفة الغربية وغزة. وإستمرار رفض إسرائيل قيام دولة فلسطينية مستقلة يعرضها كما يعرض الفلسطينيين لخسائر اقتصادية ضخمة، ويلقي بظلاله على الإستقرار في المنطقة العربية بأسرها.فالصدمات العنيفة أصبحت الأمر المعتاد الجديد في اقتصاد عالمي يتسم حاليا بضعف النمو واتساع الفجوات وأسعار فائدة من المتوقع أن تظل مرتفعة لمدة أطول لكبح التضخم الجامح. وهو ما تسعى اليه القيادة السياسية المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى ، عبر تجنب التصعيد والتركيز على مجالات التعاون،وان أي توسع للصراع في المنطقة سيؤدي إلى تبعات تشكل معضلة اقتصادية لأسعار الطاقة والنمو العالمي. مع التأكيد على ضرورة البحث عن حل سلمي لتفاقم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نظرا لأنه في الوضع الراهن لم تعد هناك بدائل أخرى ،فاستمرار العدوان الإسرائيلي على فلسطين سيتسبب في كوارث عالمية، حيث ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة مخاطر الهجرة غير الشرعية، واضطراب أسواق السياحة ،فعلى سبيل المثال وصلت تكلفة التصعيد العسكري الإسرائيلي مع لبنان عام 2006 والتي استمرت لـ33 يوماً، إلى ملياري دولار، في حين أن التكلفة الحالية بعد أسبوعين تقريباً من عملية حماس العسكرية وصلت إلى 10 مليارات دولار، فى ظل حرب لم تبدأ بعد.
د. علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام