سنةٌ طويلة، مرت علي فصولها تعاقبًا، أعلن فيها فصل الخريف نهايته، حاملًا معه كل عقود خيباتي الماضية.
هَلَّ علي شتاؤها الباهي بنسماتٍ باردة، سلبت قلبي الدفء.. ثلجٌ أبيض، انسدل على أكتاف مدينتي، سكتت معه تساؤولاتي.. مطرُ غسل همومي، وكم أعشق الشتاء.
انزويت في مقهى بعيد، على طرف زقاقٍ ضيق، أراقب المارة، بعينٍ امتلأت بالخيبة وفاض منها الرجاء.
لاح لي طيفه مبشرًا بقدوم غريب، حدثني هدوئه عن خجله، وحكت لي جريدةٌ يحملها عن وحدته. جلس في الطاولة التي أمامي، وطلب كوبًا من القهوة.
أسمر البشرة، وكم عشقت سماره، الذي أخبرني عن قصةٍ تجوب لياليه الطويلة، ملامحٌ علاها حزنٌ، حكت عنه دواوين عشقٍ ولى زمنه وانتهى، وعمق صوته الذي احتواني مذ سمعته يتحدث.
أنا وكوب قهوتي في مقهى.. وحيدة، أختلس النظر إليه كلما زارني هاجس فضولي..!! رغبةٌ جامحة اعتلت صهوة جواد قلبي حتى أجلس أمامه، أحادثه وأتوه في طرقات وجهه، ليخبرني عن حكايات سندبادٍ في عينيه.. كان قلبه فيها هو المغامر الوحيد، وعن شواطئ بحره الهائج الذي نويت اقتحامها دون مجداف.
وعندما هممت بالوقوف، قام هو وجريدته معلنًا الرحيل.