دكتور/محمد علي الطوبجي يكتب..حول الجدل الدائر بحل الدولتيين
كل هذا الجدل الدائر حول ما يسمى بحل الدولتين، بين كل تلك العواصم في امريكا واوروبا والشرق الاوسط ومع الاسرائيليين في تل ابيب والفلسطينيين في رام الله.، إلى آخر ما يتردد في وسائل الإعلام ولا نعرف حقيقة ما يدور الخلاف حوله بينهم ، هو لتحويل الانظار عن جرائم اسرائيل ضد الانسانية مع استمرارها في حربها الوحشية على غزة،. ولايهامنا علي غير الحقيقة والواقع ان انفراجة قريبة لكارثة هذه الحرب باتت أقرب مما قد نتصوره. هذا كله هو سيناريو مفتعل ولا يجب ان يخدعنا او ينطلي علينا،. فنتنياهو ومعه مجموعة الصقور العنصريين والدينيين المتطرفين الذين يشاركونه في ائتلافه الحاكم،. سوف يختلقون من العراقيل والمعوقات ما سوف يجعل مشروع اقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في جوارهم امرا مستحيلا تماما..وهو ما لا يخفونه ويعلنونه طول الوقت و يزايدون بعضهم عليه.. فقد سمعنا هذا الرفض المطلق لمشروع الدولة الفلسطينية من رؤساء الحكومة الاسرائيلية السابقين، وهم تحديدا يائير لابيد ونفتالي بينيت ،.لاعتبارها خطرا داهما على أمن إسرائيل ..بل تهديدا وجوديا لها علي حدودها..كما يصفه نتنياهو ويؤكده دائما…
حل الدولتين ليس أكثر من سراب كاذب وخادع لا طائل من ورائه ولا جدوى منه برغم كل هذا الجدل العربي والدولي المثار حوله حاليا ، تحت زعم انه سوف يضع فصل الختام لهذا الصراع المدمر ويكون إيذانا ببدء مرحلة جديدة من الأمن والتعاون الإقليمي ومن السلام الشامل في الشرق الاوسط.. او كما قال وزير الخارجية الامريكية انتوني بلينكن انه سوف يساعد على إدماج إسرائيل مع دول المنطقة في منظومة جديدة من علاقات التعاون المشترك..ولنصبح أمام شرق أوسط جديد غير هذا الذي نراه الآن…
وأقول ردا علي كل تلك المزاعم التي يجري تسويقها والترويج لها، انه لو كان سلام مدريد الذي كان الرئيس الأمريكي جورج بوش الاب هو راعيه والداعي إليه في عام ١٩٩١ بعد حرب تحرير الكويت، قد نجح، لكنا امام شرق أوسط جديد فعلا، لكن اسرائيل تحت زعامة رئيس حكومتها الارهابي المتطرف اسحق شامير هي من عرقلته وافشلته ضد كل الآمال العربية والدولية التي كانت معقودة عليه وقتها، بتبنيه مقولة الأرض مقابل السلام.. وهي المقولة التي رفضتها إسرائيل واحلتها بمقولة السلام مقابل السلام..واتبعتها بسياسة الأرض الفلسطينية كلها لهم مقابل لا شيئ منها للفلسطينيين. . وكما فشل مؤتمر مدريد الدولي للسلام، فشل اتفاق اوسلو للسلام في عام ١٩٩٣ والذي كانت النرويج هي الوسيط الدولي فيه ووصفه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بسلام الشجعان،. وكان الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس هو كبير المفاوضين الفلسطينيين فيه، وقدم فيه للاسرائيليين من التنازلات فوق ما كانت تحلم به، وإلى الحد الذي حظر كل اشكال المقاومة الفلسطينية المسلحة للاحتلال الاسرائيلي واعتبرها عملا ارهابيا لن تسمح السلطة الوطنية الفلسطينية به، هذا بخلاف التنسيق الامني الشامل القائم على تبادل المعلومات الامنية بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي.. وفشل اتفاق أوسلو فشلا ذريعا ورجع بالقضية الفلسطينية إلى ما دون نقطة الصفر.. بعد اتساع بؤر الاستيطان وما رافقها من عمليات ضم وتهويد وتنصل من كل ما قبله الاسرائيليون في اتفاق أوسلو من تعهدات. ضمن أطر زمنية محددة ومتوافق عليها بين الطرفين…
هذه هي خبرة التعامل مع الاسرائيليين في مواضيع الحرب والسلام علي مدار عقود طويلة، فهم آخر من يلتزم بتعهداته واول من يتنكر لها ويخرج عليها.. ومن ثم، فما الذي سيجعلهم هذه المرة يختلفون عن كل المرات السابقة.؟.
حل الدولتين الذي صدعوا رؤوسنا به ولا يزالون، هو وهم كبير من جملة الاوهام التي عشناها معهم، وكانت نتيجتها وبالا في وبال.. فهم لم يكتفوا بإفشال اتفاق اوسلو بل أكملوا عليه باغتيالهم الزعيم الفلسطيني عرفات بدس السم له، وليدخلوا الفلسطينيين معهم في متاهة كبيرة انتهت بنكبة غزة التي لم تنتهي بعد والتي كانت هي الافظع والافضل والاكثر وحشية ودموية من بين كل ما شهدته هذه المدينة الفلسطينية المناضلة منذ عام ١٩٤٨..فالقتل يجري فيها على أشده و بشراسة متناهية ليل نهار ، والمدينة تدمر عن بكرة ابيها بلا هوادة لتصبح ارضا محروقة..وشعبها اصبح من سكان الخيام او يعيش في العراء بلا ماء او غذاء او دواء.. وما زلنا نراهن معهم علي السلام والتعاون المشترك بعد ان تسكت المدافع ويهدأ الغبار..او هذا هو ما سمعناه خلال اليومين الماضيين على ألسنة بعض كبار المسئوليين العرب ممن لم نكن نتصور يوما انهم هم من يمكن أن يقولوا مثل هذا الكلام…
دكتور/محمد علي الطوبجي