دكتور محمد علي الطوبجي يكتب..التحول من صراع الأيديولوجيات إلى صراع القوميات
إذا كنا نلعن سياسات الغرب واجهزة مخابراته الشيطانية التي لم تترك دولة واحدة في العالم دون أن تدخل إليها بكل أدوات التآمر والتخريب لتدمر لها امنها واستقرارها وتشيع الفوضي في ربوعها ، ويكفي ما. جري التحضير له في كواليس هذه الأجهزة قبل يناير ٢٠١١ واخذ طريقه إلى التنفيذ في المنطقة العربية بشكل خاص، يقدم الف شاهد ودليل علي فظاعة ما فعلوه وما زالوا يفعلونه فينا وفي غيرنا ، وهو ما لا تكفيهم معه لعنات الدنيا كلها عليهم..أقول أنه إذا كنا نلعن الغرب ونلومه علي مؤامراته التي كنا على رأس ضحاياها ، فليس معني ذلك اننا نتعامل مع ملائكة علي الجانب الآخر ، فقد تكون وسائلهم أقل عدوانية واستفزازا او اقل تخريبا ودمارا، الا ان لهم هم الآخرين خطاياهم…
فما فعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحربه على اوكرانيا بذريعة محاربة الفاشية والنازية الجديدة المسيطرة على نظام الحكم فيها ، وهي الذريعة التي ما زال يكررها ويصر عليها ، رغم أنه أول من يعلم أنها ذريعة واهية وبلا أساس، فلا فاشية ولا نازية جديدة في اوكرانيا أو في أي دولة أخرى في العالم ، وإنما هي حرب بداها بوتين بدوافع قومية تخصه هو وسياسات نظامه وخاصة ما يتعلق منها بمحاولة تغيير تركيبة نمط توزيع علاقات القوة داخل النظام الدولي والتحول به من النمط الاحادي إلى النمط المتعدد الاقطاب… وهو أمر لا علاقة له بحربه المزعومة علي النازية في دولة رئيسها يهودي وتحظر قوانينها وتشريعاتها الوطنية حظرا باتا كافة مظاهر العداء للسامية من رموز وشعارات وتنظيمات واحزاب ، وتجرمه وتعاقب عليه بشدة ، الخ… ولو كانت مزاعم بوتين حول خطر هذه الحركات النازية الجديدة حقيقية ، لكانت اسرائيل وليست روسيا، ومن ورائها جيش جرار من المنظمات الصهيونية الداعم لها في امريكا والغرب هم اول من يتصدون لهذه الحركات والدعوات النازية الجديدة ولدمروها في مهدها..وهل نتخيل ان من لا يكفون عن الحديث عن المحرقة سوف يسمحون لهؤلاء النازيين الجدد ان يكون لهم موطئ قدم في اي مكان في العالم حتي ولو كان في القطب الشمالي نفسه ؟
والدليل على عدم صحة تلك المزاعم هو أننا وبعد عام ونصف من الحرب في أوكرانيا لم نسمع عن أي من هؤلاء الزعماء النازيين الأوكرانيين الجدد ولا نعرف حتى اسماءهم أو مواقعهم في اوكرانيا ، ولا عن من تم القضاء عليه منهم بعد دخول روسيا إلى اوكرانيا بهذا الزخم الهائل من القوة العسكرية ، ولا عن ماذا فعلت هذه الحركات النازية الجديدة في المجتمع الاوكراني لتخرب له افكاره ومعتقداته وهو اكثر من اكتوي باحتلال النازيين لاراضيه خلال الحرب العالمية الثانية والوثائق التاريخية تشهد علي بشاعة ما حدث للاوكرانيين على أدي النازيين من ابادة عنصرية جماعية ، ورغم مشاعر الكراهية العميقة التي يضمرها الاوكرانيون للنازية والنازيين ورفضهم لهم ولايديولوجيتهم العنصرية التي جلبت لهم الموت والدمار وارسلت الملايين منهم إلى معسكرات الاعتقال والي غرف الاعدام بالغاز ، فقد اسهب وزيرا الدفاع والخارجية شويجو ولافروف في الحديث عن النازية الجديدة كسبب مهم لحرب روسيا علي اوكرانيا وذلك في خطاباتهما امام مؤتمر موسكو للامن الدولي امس.. وهما يعلمان ان ما يتحدثان عنه غير صحيح علي الاطلاق..وان لهذه الحرب دوافع واسباب اخري غير النازية والفاشية باخطارهما المزعومة على اوكرانيا وروسيا والعالم..ولان ذلك لا يكفي وحده مبررا لشن حرب كهذه الحرب. حكمي على هذه الحرب بكل دوافعها وملابساتها ومن منطلق عدم اقتناعي بذرائعها المعلنة لافتقارها الي ادني اساس من المصداقية ، هو اننا أمام نسخة جديدة وخطيرة من صراع قوميات تقوده وتحركه بعض القوى النووية الكبري ، وذلك بدلا من صراع الايديولوجيات القديم الذي انتهي بانتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي القديم وثورة دول شرق اوروبا على الأحزاب الشيوعية فيها.واعتناقها للفكر السياسي والاقتصادي الليبرالي الحر بعد تخليها عن ايديولوجيتها الشيوعية ودخولها في الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو.. .. وهذا التحول من صراع الايديولوجيات إلى صراع القوميات يعني اننا لسنا في طريقنا إلى بناء عالم مسالم متعدد الهويات والانتماءات القومية يتسع للجميع ، وانما الي حروب وصراعات مدمرة قد تاخذ الجميع معها الي الهاوية… وهذا هو ما تنذر به الحرب التي تدور رحاها في اوكرانيا الآن.،.ولا يريد من اشعلوها لها أن تخمد..وليذهب العالم إلى الجحيم…
دكتور/محمد علي الطوبجي