ما كتبته عن الضربة الإيرانية الاخيرة لاسرائيل ووصفي لها بأنها لم تكن مؤلمة أو مؤثرة بما يكفي.، لم يكن من قبيل الاستخفاف بها، أو القصد منه هو الاساءة إلى ايران.، التي تقف معزولة عن محيطها العربي والاقليمي والدولي، وتواجه وحدها غطرسة القوة العسكرية الاسرائيلية المدعومة بلا حدود من حليفها الاستراتيجي الأكبر في العالم ، والذي يرتع ويصول ويجول في الخليج والشرق الاوسط بحشوده واساطيله وقواعده وقواته وبدعم تام من حلفائه الافليميين ممن فتحوا له أراضيهم ينطلق منها ليضرب حيث يشاء، فضلا عن وجوده في سوريا ضد ارادتها بقواعده وقواته، وهو في العراق بقوة الامر الواقع ويرفض مغادرة اراضيه بذرائع أمنية واهية. ، وهو يتحرك في طول المنطقة وعرضها بما يعزز وجوده ويدافع به عن مصالحه فيها… حتى أصبح الشرق الأوسط منطقة نفوذ امريكية خالصة… هذه هي طبيعة الموقف في الشرق الاوسط الآن.، وفي وقت لا تاثير فيه لقوة روسيا والصين علي ما يجري فيها من أحداث وتحولات خطيرة وغير مسبوقة في تاريخ هذه المنطقة. ،فهما تكتفيان بدور المراقب من بعيد، ولا تحاولان أن تتجاوزنه إلى ما هو ابعد من ذلك.. ولهذا كنت اتمني ان تكون الضربة الايرانية اكثر ايلاما وفاعلية واشد تحذيرا لها من مغبة تماديها في عدوانها علي ايران، وانه في معارك الدفاع عن النفس، فانه لن يكون ثمة خيار امام ايران سوي ان تضرب الاراضي الاسرائيلية في العمق بكل عناصر القوة المتاحة لها.. لكن الضربة بالصورة التي جري تنفيذها بها جعل اسرائيل تتصور انها فوق مستوي التحدي، وانها هي من يملك القرار الاخير في كل ما يتعلق بادارة الصراعات والحروب التي تنشب في هذه المنطقة.. ولهذا لم تحقق الضربة الايرانية هدفها الحقيقي كانذار او كرسالة تحذير قوية لاسرائيل… الفضية الحقيقية في رأيي ليست في انتقام ايران للدمار الذي حدث لقنصليتها في دمشق او لاغتيال بعض قادة الحرس الثوري الإيراني ممن كانوا فيها وقتها، ولكنها اخطر وابعد من هذا كله بكثير.، فالاسرائيليون لن يهدأ لهم بال وتزول منهم مخاوفهم حتي يدمروا لايران برنامجها النووي قبل أن تتمكن ايران من إنتاج رادع نووي تدافع به عن نفسها، ويكسر احتكار اسرائيل لانتاج الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.، ولأن هذا التحول الخطير إذا ما قدر له ان يحدث، سوف ينسف لهم اسس استراتيجيتهم الدفاعية وسياسنهم النووية التي تبني منذ سنوات طويلة علي اساس انه لن تكون في الشرق الاوسط سوي قوة نووية واحدة.. وهذا هو جوهر الصراع الذي يدور بين اسرائيل وايران منذ اللحظة التي اكتشفت فيها اسرائيل هذا البرنامج النووي الايراني وادركت أخطاره المستقبلية المحتملة علي امنها، وكان ذلك تحديدا في عام ٢٠٠٢، ومن وقتها قامت قيامتهم في تل ابيب ولم تقعد..بل وحاولت ان تجعل من هذا البرنامج النووي الايراني مشكلة للعالم كله وليس لها وحدها..فعلي كثرة ما في العالم من برامج نووية متقدمة، فإنه لا يشغل بال العالم منها سوي البرنامج النووي الايراني الذي وضعوا في طريقه من العراقيل والمعوقات ما لم يضعوه في طريق أي برنامج نووي آخر.. ولو لم تكن اسرائيل طرفا مباشرا في هذا الموقف، لما سمعنا عن شيء من هذا كله.. وهذا هو ما يجب علينا أن نعرفه بعيدا عن خلط الأوراق ببعضها، فالسباق النووي الاسرائيلي الإيراني، لا علاقة له بالصراع العربي الاسرائيلي بأي شكل مباشر.. كما أن تصاعده الأخير ليس بسبب الحرب الاسرائيلية على غزة في الاساس.. ولكنه ياتي كمحاولة لاحتواء أيران وتقييد تحركاتها وتحركات وكلائها الاقليميين ، وحتي تستمر واقعة تحت طائلة العقوبات الدولية الخانقة، وعلى أمل أن يؤدي ذلك كله إلى اضعاف برنامجها النووي واعاقته عن بلوغ هدفه النهائي كدرع دفاعي قوي تحمي به ايران نفسها من التهديدات والاخطار الخارجية سواء كان مصدرها اسرائيل أو غير اسرائيل من القوي المعادية لها… وهذا هو ما لا نشك في انه حقها وواجبها في الدفاع عن نفسها على قدر ما تستطيع.وتساعدها ظروفها عليه…