لبنان بلا رئيس للجمهورية منذ ما يقرب من عامين، وبرلمان دون المستوي الذي يجب ان يكون عليه إدراكه وتفهمه لدوره ومهامه في ظروف ازمة سياسية واقتصادية عنيفة هي الاسوا علي الاطلاق في تاريخ لبنان. .، وحكومة تصريف أعمال تحولت بحكم الأمر الواقع من حكومة مؤقتة الي حكومة دائمة بعد ان استعصت هذه الازمة المستحكمة علي الحل ووصلت باطرافها الي نهاية طريق مسدود، وليظل لبنان هو الدولة الوحيدة في العالم بلا رئيس وبلا حكومة دائمة..وهو ما يعرضه لمخاطر داخلية وخارجية لا أول لها ولا آخر. والعراق بلا رئيس لبرلمانه ، بعد ان تعذر التوافق علي اختيار رئيس جديد له يحل مكان رئيسه المستقيل، وفي غياب رئيس متوافق عليه للبرلمان يدير جلساته ويوجه مناقشاته ويضبط توازناته بما لديه من مهارات وخبرات في اصول العمل البرلماني كما هو الحال في الكثير من برلمانات العالم ، تبقي مشاريع قوانين كثيرة معلقة، والاداء معوقا، واحد اركان الدولة العراقية المهمة علي حاله من الارتباك والتعثر وعدم الاستقرار.. اما إلى متى سوف تطول هذه الازمة البرلمانية قبل ان تجد حلا توافقيا لها، فلا نعرف في ظل مناورات كل هذه الكتل والتيارات الحزبية التي تملا الساحة السياسية العراقية والتي تضع مصالحها ومصالح داعميها الخارجيين فوق كل اعتبار..وهذا قليل من كثير…
وليبيا تعجز هي الأخرى ومنذ أكثر من عامين كاملين عن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كان من المزمع اجراؤها للخروج بها من أزمتها السياسية التي طالت واستحكمت ودخلت باطرافها في نفق طويل لا تبدو له نهاية قريبة واضحة، وأدت عمليا الي تقسيمها بين شرق وغرب لا يجمعهما ببعضهما رابط مشترك من وحدة الاهداف والسياسات ومؤسسات الحكم..وهو ما يجعل من الصعب التكهن بما يمكن ان يكون عليه مستقبل ليبيا السياسي أو مصيرها كدولة موحدة علي غرار ما كانت عليه في الماضي ولم يكن موضع خلاف..وهذا هو اكثر ما يثير الخوف والقلق عليها كدولة عربية كان لها علي الدوام حضورها المميز ودورها المؤثر عربيا وافريقيا واقليميا ودوليا..وهو ما لم يعد كذلك بعد ان غرقت في الفوضي وعدم الاستقرار والصراع علي السلطة.. . وأما بالنسبة للحكومة الشرعية في اليمن ومعها المجلس الرئاسي الاعلي الذي تتحمل هذه الحكومة المسئولية عن اعمالها امامه ، فتبقي قابعة في مقرها في عدن لا تتجاوزها الي غيرها، هذا بينما يبسط الحوثيون سيطرتهم الكاملة على العاصمة اليمنية صنعاء وذلك علي الرغم من كل ما يتردد من قبل المجلس الرئاسي من تصريحات توكد ان أيام الحوثيين في الحكم باتت معدودة وانه سوف يتم اخراجهم من صنعاء لتخضع بعدها لسلطة الحكومة الشرعية في اليمن ، وهو ما لا يوجد مؤشر واحد موثوق فيه يقطع بقرب حدوث هذا التوقع الذي يبدو مبالغا في تفاؤله ، فالحوثيون وحدهم هم من يرى العالم وجوههم عبر وسائل الاعلام الدولي وشاشات الفضائيات طول الوقت، ويدفع ثمنا باهظا لسياساتهم وقراراتهم بإعاقة حركة الملاحة العالمية في البحر الاحمر ، وهم فوق هذا كله من يمسكون بكافة مفاصل ومفاتيح السلطة في صنعاء، في حماية ميليشياتهم المسلحة والمجهزة بإحدث الصواريخ والمسيرات والتي اصبحت جيشا كاملا بحد ذاته، وبمعاونة كل القوى القبلية الداعمة لهم والمتحالفة معهم والمستفيدة منهم، وهو وضع لا اتصور انه سوف ينتهي في المستقبل القريب على الاقل..وأنه ما يزال أمامه سنوات وسنوات. قبل أن يتغير.او يطرأ عليه جديد…
والسودان في كرب عظيم، تطحنه حرب داخلية هي الاعنف والاكثر دمارا في تاريخه وتتهدده بخطر السقوط كدولة قابلة للحياة.. وهي حرب تجد جذورها في تعذر التوافق بين الفرقاء المعنيين علي ادارة الفترة الانتقالية بعد الاطاحة بحكم الطاغية عمر البشير، ووضع الاسس الكفيلة بتسليم مهام الحكم في السودان الي سلطة سياسية مدنية منتخبة.. وفي ظل الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية الكارثية الراهنة ، فانه يصبح في حكم المستحيل عمليا ان يعرف السودان طريقه الي الاستقرار واعادة اعمار ما دمرته هذه الحرب التي ارجعته سنوات طويلة للوراء ودفع فيها ثمنا انسانيا واقتصاديا وعسكريا هو الافدح في تاريخه وما يزال…وبمعني آخر ،فانه بدلا من ان تدفع الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بحكم البشير بالسودان للامام، فانها هوت به الي الحضيض بتداعياتها التي اعقبتها وبالصراعات الجديدة علي السلطة التي جاءت بها، …ولم يتعلم السودانيون الدرس ليتجنبوا ما سبق لهم ان وقعوا فيه. وهكذا سوف يظل السودان غارقا في العنف والفوضي والصراع..
وتونس تمر هي الأخرى بحالة غير مسبوقة من الانقسام السياسي الداخلي ومن تباعد المواقف بين مختلف القوي السياسية والحزبية والمهنية فيها حول الحريات العامة واوضاع حقوق الانسان وانفراد الرئيس التونسي بسلطة اتخاذ القرارات بدون التشاور او التنسيق المسبق مع غيره من المجالس والهيئات والسلطات العامة في تونس.. وهو ما يسهم في خلق مناخ سياسي متوتر للغاية بسبب اصرار الرئيس علي مواقفه التي اثارت كل هذا الضجيج حولها والتي لا يعرف أحد إلى أين سوف تاخذ تونس وراءها…
وفلسطين مدمرة كما لم يحدث لها في تاريخها، وبرغم ذلك فما تزال الصراعات علي اشدها بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحماس، وهو صراع عميق الجذور ولم يترك مجالا واحدا إلا وامتد اليه بتداعياته واثر فيه.. وبدلا من ان يتوحد الجميع في هذا الظرف الوطني العصيب وراء قيادة سياسية واحدة تعرف كيف تدافع عن شعبها وتحميه من هذا الاعصار المدمر الذي يجتاحه منذ تسعة شهور ومحا له اغلب معالم حياته ، ينغمس الطرفان في المعايرات والمكايدات وفي تبادل الاتهامات هكذا علنا وعلي رءوس الاشهاد، مما يزيد من شدة الجروح النازفة ويسهم في توسيع شقة الخلافات بينهما، وهو ما يراهن عدوهم الاسرائيلي. عليه ويعرف كيف يوظفه لحسابه بمكره وخبثه ودهائه.وهذه كارثة اخري من كوارث هذا الوضع العربي العام.، وهي. الكوارث التي تظل تكبر باستمرار ككرة الثلج ولا تريد ان تتوقف وكانها من عمل مردة وشياطين وليس من عمل بشر اسوياء حباهم الله بنعمة العقل..
ولم يبقي لنا سوي ان نتساءل. : ما هي حكايتنا مع انفسنا بالضبط.؟ . وما هي نهاية هذا كله ؟. والي اين سوف ينتهي بنا هذا الحال الذي لم نشهد مثيلا له في تاريخنا القديم والحديث .؟ ولماذا نجح غيرنا في ما فشلنا فيه.؟