دكتور محمد علي الطوبجي يكتب..اهتمام الرئيس الروسي بأهمية دور بريكس في التحول بالنظام الدولي الراهن إلى نظام دولي متعدد الاقطاب
في خطابه الذي وجهه امس من مكتبه في الكرملين إلى قمة زعماء دول مجموعة بريكس المجتمعين في جوهانسبرج بجنوب افريقيا ، كرر الرئيس الروسي بوتين على مسامع قادة المجموعة ، اقتناعه بأهمية دور بريكس في التحول بالنظام الدولي الراهن إلى نظام دولي متعدد الاقطاب ، وفي جعله اقدر على تحقيق العدالة الدولية للجميع ، الخ .
هذا الحديث المتكرر من قبل الرئيس الروسي عن تعدد الاقطاب في نظام دولي جديد كهدف استراتيجي لبريكس وغيرها يؤكد اقتناعي بأن بوتين بالغ كثيرا ، في تصويره لاهمية هذا الملف وكانه سوف يخترع نظاما دوليا جديدا كبديل للنظام الدولي الحالي ، وهو زعم بلا اساس ، فنحن في نظام دولي متعدد الاقطاب فعلا لا مجازا ، نظام دولي يحتل فيه الاتحاد الروسي مرتبة القطب الدولي الثالث بعد القطبين الامريكي والصيني على التوالي… وهو الترتيب الذي يستند في اساسه إلى الكم المتاح لكل واحد من هؤلاء الأقطاب الثلاثة من عناصر القوة الشاملة.. أما الجديد في الأمر ، فهو أن الهند بديناميكيتها الاقتصادية والانتاجية والتكنولوجية المتعاظمة ، والتي تجعل اقتصادها واحدا من أسرع الاقتصادات نموا في العالم علي نحو ما جاء في خطاب رئيس وزرائها مودي امام قمة جوهانسبرج وهو يتحدث عن قوة الهند الاقتصادية بثقة شديدة وكأنه يريدأن يقول للعالم هذه هي الهند الجديدة التي لا تعرفونها على حقيقتها ، وهي أيضا بما تملكه من أدوات قوتها الناعمة بوفرتها الشديدة وبتنوعها وانتشارها الدولي الواسع حتي في أكثر دول العالم تقدما تكنولوجيا ، وهي بثقلها البشري الهائل الذي سوف تتفوق به على الصين لتصبح الدولة ذات التعداد السكاني الاضخم في العالم وبما يحمله ذلك من دلالات ايجابية تنمويا وانتاجيا وإلا لما حققوا ما حققوه من تقدم تكنولوجي متسارع ونمو اقتصادي ملفت وضخم ، وهي بترسانتها النووية ، وبقدرتها على الوصول بمركباتها إلى الفضاء الخارجي ، وهي بعضويتها الفاعلة والمؤثرة في العديد من الشراكات الاستراتيجية الدولية هنا وهناك ، وفي غير ذلك من التجمعات الاقتصادية الدولية والاقليمية ، وهي بنظامها الديموقراطي واستقرارها السياسي ، وبقدرتها علي ادارة هذا التنوع البشري والعرقي والديني بمهارة كبيرة تحسب لها ولنظامها الديموقراطي بادواته السلمية التوافقية الخالية من العنف والقهر ، الخ.. سوف تتمكن بهذا الثقل الهائل والمتنامي من عناصر قوتها الشاملة ، من ازاحة الاتحاد الروسي من من موقعه كقطب ثالث لتاخذ مكانه ، ولتجعله يتراجع إلى مرتبة القطب الرابع في نظام دولي متعدد الاقطاب ينبني في اساسه علي تسلسل المراكز وليس علي تعادلها..
إذن سوف نكون مقبلين علي نظام دولي رباعي الاقطاب ، اي نظام دولي يتحرك بقوة دفع رباعي بدلا من قوة الدفع الثلاثي التي نشهدها في الوقت الراهن علي يد الاقطاب الثلاثة الكبار الحاليين… نظام يعبر بامانة عن واقع موازين القوة الدولية الشاملة التي تربط بين مجموعة الاقطاب البارزبن والمؤثرين فيه.. وليس نظاما دوليا نظريا بالمفهوم الذي يتحدث عنه الرئيس الروسي بتصويره المثالي له وكاننا سوف نكون مع نظام دولي خالي من صراعات القوة والمصالح وسباقات التسلح، وكان العدالة الدولية الغائبة سوف تاتي معه ، وبها سوف ينعم العالم كله بالسلام والاستقرار وحكم القانون كما أشار في خطابه أمس لزعماء دول بريكس.. هذا هو ما يوحي به خطابه المتكرر الي العالم وبالاخص منذ اندلاع الحرب الاوكرانية ، وهو خطاب يبتعد عن الواقع بمعطياته وحقائقه وشواهده الناطقة ؛ ، ليجعلنا نعيش واقعا دوليا آخر لا اتصور اننا سوف نراه لا علي يد بوتين ولا على يد غيره من القادة والزعماء…. وله أن يقول ما يشاء.. وتبقي حقائق الواقع الدولي بضغوطه وتحدياته الهائلة والمستمرة أقوى من هذا كله….
دكتور محمد علي الطوبجي