دكتور محمد علي الطوبجي يكتب.. حقوق الإنسان(حديث الصباح والمساء)
لسنوات وهذا الموضوع بالذات هو أكثر ما يتحدثون عنه في كل مكان ، دون أن يجد العالم أثرا كبيرا له في واقع حياته علي نحو ما كان يأمله ويتمناه ، واقصد به موضوع حقوق الانسان الذي جعلوا منه في الغرب حديث الليل والنهار، واعتمدوه مقياسا لهم في تصنيفهم للدول والحكومات من صديقة وغير صديقة .. بل وفي ادراجهم لبعضها علي قوائمهم السوداء..معتبرين احترام الدول لحقوق الانسان شرطا اساسيا للتعايش الانساني والسلام الدولي..بعيدا عن القهر والقمع وتسلط الدكتاتوريات علي اقدار الشعوب.. وهذا هو اكثر ما يدافعون به عنها. ومن حيث المبدأ، فإن حقوق الانسان هي قيمة انسانية واخلاقية نبيلة وعظيمة لا خلاف عليها بين الأسوياء من البشر من كل الثقافات والأديان ، وهي سمة اساسية من سمات الرقي والتحضر الانساني وذلك باعتبار ان شاغلها الاكبر والاهم هو اعلاء آدمية الانسان الذي كرمه الله في كل الرسالات السماوية بنصوص صريحة لا تحتمل التأويل.. فالقضية محسومة. هذا أولا. أما عن واقع المجتمعات الانسانية وما يحدث فيها من تجاوزات وممارسات وانتهاكات لحقوق الانسان ومن عدوان صارخ عليها في العديد من الاحيان ، فان هذا الواقع المؤسف بكل ما فيه يدعوني الي القول بان القيمة الحقيقية لدور ثقافة حقرق الانسان في حياة اي مجتمع انساني لا تقاس بمدي ما تتضمنه دساتير الدول من نصوص واحكام تؤكد علي اهميتها، او تحض الحكومات علي احترامها ، ولا بما توقع عليه حكومات الدول من مواثيق ومعاهدات واعلانات دولية تدعو كلها الي احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية والتقيد بما تتضمنه تلك المواثيق الدولية من تعهدات والتزامات ، كما انها لا تقاس ايضا ببضعة مقررات عن حقوق الانسان يجري تدريسها للطلاب في المدارس والجامعات او غير ذلك مما نسمع عنه، ولينتهي الامر عند هذا الحد، وكان الدول والحكومات بذلك قامت بواجبها وادت كل ما عليها ، ويبقي علي المجتمع ان يقوم بدوره في ممارسة تلك الحقوق والذود عنها بادواته والتي هي اول من يعلم انه لا يملكها… وهنا تكمن المشكلة الحقيقية التي تستدعي البحث لها عن حل جذري مختلف عن هذا كله. ..حل يجعلها واقعا معاشا لا امنية او خيالا بعيد المنال. فالأهم من الدساتير الوطنية والمواثيق والاعلانات الدولية ، ومن المقررات الدراسية، هو في تمكين ثقافة حقوق الانسان من التغلغل في كافة شرايين ومناحي حياة المجتمع وفي مختلف منظومات علاقاته ومعاملاته وفي جعله يتشربها كعقيدة اخلاقية وانسانية وكاسلوب ومنهج حياة؛ ، وهذه وان لم تكن بالمهمة السهلة الا انها ممكنة بالوقت ومع المحاولة وبالتوسع في تقديم القدوة والمثل وعدم الاكتفاء بترديد الشعارات النظرية الرنانة .. واقول انه عندما تتمكن هذه الثقافة الانسانية الراقية من وضع الخطوط الفاصلة بين ما يجوز وما لا يجوز، وبين ما هو من حق الفرد وما هو من حق المجتمع للحفاظ به علي السلم الاجتماعي وعلي الامن القومي والنظام العام ، فهنا وهنا فقط يكون لثقافة حقوق الانسان كل هذه القيمة والاثر في حياة المجتمعات الانسانية .. اقصد عندما تكون الدولة حارسة لهذه القيم الانسانية والاخلاقية النبيلة وراعية لها، لا معتدية عليها او متربصة بها….وعندما تقوم الدولة بهذا الدور الايجابي الكبير في تامين حقوق الانسان ورعايتها ، فانه يحق للعالم وقتها ان يتفاءل بان عهدا جديدا في تاريخ الانسانية قد بدأ… ..
دكتور/ محمد على الطوبجى.