دكتور محمد علي الطوبجي يكتب..ما هي الاحتمالات التي يمكن أن تتحرك معها مسارات هذه الحرب في المرحلة المقبلة
عندما تتلقى الأجيال الناشئة من الأجيال التي سبقتها على طريق الحياة دروسا عملية قيمة في العلاقات الانسانية وفي ما يجب ان تكون عليه اخلاقيات التعامل بين البشر بعيدا عن تلوث الماديات.، فانها لا بد وأن تستلهمها وتحاول الاقتداء بها مهما بدت الاجواء من حولها قاتمة وكئيبة ومحبطة.. فالقدوة الطيبة تبقي برغم كل شيء نقطة ضوء وشعاع أمل ودافعا إلى فعل الخير ومواصلة العطاء. اقول ذلك بمناسبة المقال الشيق الذي كتبه اليوم في صحيفة الاهرام الاستاذ الدكتور علي الدين هلال تحت عنوان نماذج انسانية بمشرط الجراح وقلمه. ، وهو يعرض للكتاب الجديد للاستاذ الدكتور جمال مصطفي سعيد استاذ جراحة الاورام بكلية الطب جامعة القاهرة والحائز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الطبية منذ امد بعيد ، وصاحب صالون الجراح الثقافي المعروف، وهو الكتاب الذي افرغ فيه خلاصة ما واجهه في العديد من المواقف الانسانية. التي مر بها واستوقفته واستلهم من دروسها ما قدمه لنا في كتابه.
وبدوري اضيف إلى جملة ما تفضل به الدكتور علي الدين هلال من توضيج وتعليق وتقدير للكتاب وصاحبه. ،انه ما احوج المجتمع إلى القدوة الاخلاقية الصالحة.، والي السلوك الانساني النبيل الذي يتجاوز الاقوال المرسلة. ، وما اسهلها واكثرها ، إلى الافعال الحقيقية الحية والمؤثرة.. وهو ما نراه جليا وناطقا يتحدث عن نفسه هنا.. وأخيرا أقول أن مجتمعا يستغني عن خبرة الكبار في الحياة لن يجد طريقه السليم إلى ما يريده.. أقول ذلك عن اقتناع تام لا يراودني فيه ادني شك…
بعد سنتين كاملتين من الحرب في اوكرانيا، يتطور الموقف العسكري، وكان آخر شواهده وعلاماته هو ما حدث اليوم، في غير صالح اوكرانيا ودول الناتو التي تحارب روسيا من خلالها.. وكل مزاعم دول الناتو السابقة عن انهم لن يوقفوا حربهم في اوكرانيا قبل أن يلحقوا بروسيا هزيمة استراتيجية كاملة، اخذت تتبدد وتتلاشي امام هذه التحولات الميدانية الجديدة التي قد تعني تغيير مسار تلك الحرب المكلفة من حروب الاستنزاف التي تجري هذه المرة في الاراضي الاوروبية نفسها، وليس خارجها كما اعتاد العالم..
والتساؤل الذي يفرض نفسه على دوائر المحللين الدوليين في هذه اللحظة، هو ما هي الاحتمالات التي يمكن أن تتحرك معها مسارات هذه الحرب في المرحلة المقبلة، وهل سيكون ذلك بتصعيدها، او بمحاولة احتوائها وتهدئتها، او بتخلي الناتو عن دعمه عسكريا لاوكرانيا وتركها تواجه الموقف مع روسيا مع الاكتفاء بتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي فقط.، مع التهيؤ لقبول النتائج النهائية لهذه الحرب ايا ما كانت.؟
نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف صرح بعد الانتصار العسكري الروسي الاخير بأن محاولة العودة بالوضع مع اوكرانيا إلى ما كان عليه في عام ١٩٩١ أي وقت انفصالها او استقلالها عن الاتحاد السوفيتي السابق سوف يعني دخول روسيا في حرب نووية ضد الغرب.. وهو يريد بذلك أن يقول أن ما سوف تحسمه المعارك على الأرض سوف يصبح نهائيا ولا عودة عنه.. وأن شرعيته لن تكون موضع شك..
على اي حال، فقد يكون من السابق لأوانه حاليا التكهن بطبيعة سيناريو الحرب الاكثر احتمالا بعد أن ضاع في هذه الحرب ما ضاع ، لكن ما يمكننا قوله هو انه باستثناء الولايات المتحدة وربما بريطانيا والمانيا ، فإن معظم دول الناتو تمر في الوقت الحاضر بحالة من الضيق والتململ المتزايد تجاه هذه الحرب الاستنزافية البطيئة التي قد تمتد لسنوات بلا حسم نهائي يغير لاوروبا اولوياتها ويخرجها من المسار الحالي الذي تتحرك فيه ، وهو ما يعني عدم اقتناع هذه المجموعة من الدول الاوروبية بجدوي استمرارها في تحمل ما تشارك به حاليا في اعباء هذه الحرب وتكاليفها وتبعاتها فضلا عن كارثية مخاطرها اذا ما خرجت عن السيطرة لاي سبب من الاسباب…ومن ثم ، فان هذه المشاعر الاوروبية المتوترة قد تتحول وباسرع مما قد نتصوره إلى قوة ضغط قادرة على الدفع بهذه الحرب في المسار الذي قد يعجل بنهايتها ويغلق ملفها.. ولا يجب أن ننسى أن الادارة الامريكية التي دعمت الحرب الاوكرانية بما لم تكن لتجرؤ عليه اي ادارة امريكية اخري. ، تقترب من نهايتها وتوشك علي الرحيل من البيت الابيض وهو ما يجعل منها كما يقولون هناك بالتعبير السياسي الامريكي بطة عرجاء ، وبالتالي ، فإنه لا يعقل أن تقدم في هذا التوقيت الحرج على توريط شعبها في حرب نووية ضد روسيا سوف تكون وبالا على العالم كله وليس على أمريكا وروسيا وحدهما.. وهذا هو ما يعرفه زعماء الكرملين ويراهنون عليه…والمؤشر المعنوي في موسكو بدأ يرتفع لاعلي من جديد…
دكتور/ محمد علي الطوبجي