دكتور محمد علي الطوبجي يكتب..مجموعة البريكس وعلاقتها الدولية
الأقطاب الثلاثة الكبار في مجموعة بريكس الإقتصادية هم الصين وروسيا والهند… ولكل منهم شبكة علاقاته الدولية التي قد تتلاقى محاورها وأهدافها أو تتقاطع مع بعضها ،وأن كانت السمة الغالبة عليها في تجمع بريكس أنها تتلاقي أكثر مما تتقاطع ، لكن خارجها ، فإن اذرع استراتيجيات هؤلاء الأقطاب الثلاثة الكبار قد تتوزع وتتفرع في اتجاهات أخرى تحكمها اعتبارات القوة. وحسابات المصالح لكل منهم. وحديثي هنا هو عن الهند أكثر منه عن روسيا أو الصين ، فالهند تقدم لنا الآن مشروع قوة دولية عملاقة بازغة وناهضة بوتيرة متسارعة فاقت كل التوقعات.. وهي في طريقها لأن تحتل موقعها كأحد أقطاب أربعة كبار داخل النظام الدولي ، بل اتوقع لها أن تتفوق في عناصر قوتها الشاملة علي روسيا وتسبقها في مضمار التحولات الدولية الجديدة القادمة قريبا إلينا. ومن الحقائق التي يجب ألا تغيب عن بالنا ، هي أن علاقات الهند بمفهومها الاستراتيجي الشامل مع أمريكا أقوى كثيرا منها مع الصين رغم عضويتهما معا في مجموعة بريكس ، وقد ترجمت الهند شراكتها الاستراتيجية المتميزة مع حليفها الامريكي في العديد من الترتيبات الامنية المشتركة، كتحالف كواد الذي يضم ايضا استراليا واليابان والذي يستهدف احتواء قوة الصين المتنامية في منطقة بحر الصين الجنوبي وفي منطقتي المحيطين الهندي والهادي ، وهناك أيضا المناورات العسكرية المشتركة بين الدولتين، والتعاون الوثيق بينهما في مشاريع الأبحاث الخاصة بالإستخدامات المدنية للطاقة النووية في الهند ، وهو مجال بحثي بالغ الاهمية والحساسية ، وما إلى غير ذلك من الترتيبات الامنية والدفاعية المهمة ، والتي تجد فيها الهند تهدئة لمخاوفها الأمنية جراء تعاظم قوة جارها الصيني الكبير. وعلي الرغم من تنامي قوة الهند الشاملة بهذه الوتيرة غير المسبوقة ، فإنها ، وخلافا لما يتردد طول الوقت على السنة قادة روسيا والصين ، لا تتحدث عن الحاجة إلى استبدال النظام الدولي الحالي بنظام متعدد الأقطاب ، ولا عن ضرورة التخلص من الهيمنة الأمريكية عليه ، فهي أبعد ما تكون عن إثارة مثل هذه الحساسيات التي يمكن ان تنعكس سلبا على علاقتها بشريكها الأمريكي الذي ترى في علاقتها الاستواتيجية الوثيقة معه ضمانا مهما يمكن التعويل عليه في دفاعها عن امنها في مواجهةأي تهديد صيني له، وهي تضع ذلك في اعتبارها وتتحرك علي ضوئه… وتعتبره أولوية استراتيجية وامنية وقومية ذات أهمية بالغة بالنسبة لها…حتي وأن لم تعلن ذلك صراحة للعالم وحتي لا تثير بالإعلان عنه ردود فعل عدائية ضدها هي في غني عنها…ومرة اخري يجب الا ننسي أن حدودها مهددة من اتجاهي الصين وباكستان. كما تنتهج الهند دبلوماسية دولية هادئة وحذرة ، وتتحرك بخطوات محسوبة تجنبا لردود فعل عدائية او سلبية قد تؤذي مصالحها العليا دون سبب يدعوها لذلك.. ومن ذلك انه رغم علاقاتها المتوترة مع جارتها باكستان طول الوقت، فإنها تحرص علي تجنب استفزازها أو التحرش بها حتي لا تخلق موقفا صعبا لامريكا يضطرها الي المفاضلة بينها وبين باكستان، حليفها العسكري الرسمي الذي تلتزم تجاهه بتعهدات دفاعية نعاقدية رسمية ، ووقتها سوف تكون الهند هي الدولة الخاسرة وليست باكستان ، والهند واعية بذلك تماما وهي اذكي من ان تنجر الي هذا الموقف باية حسابات خاطئة قد تكلفها الكثير. والهند عضو بارز في تجمعات دولية عديدة ، وهي تعرف كيف توظف اوراقها بحنكة ومهارة ، وكذلك كيف تتحرك في كل الاتجاهات شرقا وغربا باقل الحساسيات والمحاذير ، وبلا شبهات تحيط بدوافعها ونواياها، وهو ما يفتح إفاقا دولية واسعة امام تحركاتها الدبلوماسية هنا وهناك.. اتوقع للهند أن تكون قوة عالمية حاضرة وفاعلة ومؤثرة في كافة الدواءر والمجالات الدولية التي سوف يكون لها دور فيها وهي ليست بعيدة عن ذلك… هذه هي القوة التي تنمو في هدوء وتحقق اهدافها دون صدام مع الآخرين ، خلافا لم يفعله غيرها ويورطهم في صراعات وحروب مسلحة تستنزفهم ويخسرون فيها ولا يعرفون كيف يخرجوا منها… والحرب الأوكرانية أكبر شاهد على ذلك.
دكتور/محمد علي الطوبجي