زادت اليوم المخاوف الدولية من أن تعمد إسرائيل في ردها الانتقامي المتوقع في أي لحظة علي ايران،إلى قصف منشآتها النووية على غرار ما سبق لها أن فعلته في يونيو ١٩٨١ بتدميرها مفاعل تموز النووي العراقي، وأن كنا نتصور أن هناك فارقا هائلا في الحالتين العراقية والإيرانية بمعيار طبيعة الظروف وحجم وخطورة الأهداف.فمفاعل تموز النووي العراقي لم يكن قد بدأ تشغيله بعد، أي أنه كان ما يزال مفاعلا خاملاأو باردا كما وصفه رئيس الأركان الاسرائيلي رافائيل ايتان وَقتها أي لا خطر يخشي من تفجيره وتدميره.، كما كان صغيرا في حجمه ومحدودا في قدراته وطاقاته، ومعروفا موقعه، ومرصودا بدقة شديدة من قبل أجهزة المخابرات الاسرائيلية وعملائها في بغداد. ،وجاءت عملية تدمير السيناريو الذي وضع لها في غمرة انشغال العراق بحربه مع ايران، مما جعله لا يضع احتمال إقدام اسرائيل علي تدمير ماثلا في حساباته ليوفر له الحماية اللازمة أو الكافية.. ولهذا تمت عملية تدميره بسرعة مذهلة وبنجاح تام وخرجت الطائرات الاسرائيلية كما دخلت دون اكتشافها او التصدي لها بدفاعات العراق الجوية.. ولم يخلف تدمير مفاعل تموز النووي وراءه اي دمار بيئي او تلوث اشعاعي.. ومر الأمر بسلام. أما هذه المرة، فلن يكون هذا هو الحال مع المنشآت النووية الإيرانية، والتي هي سلسلة عملاقة ومعقدة من المنشآت الضخمة والشديدة التحصين وتتوزع في مواقع متعددة، وبعضها مقام في مناطق جبلية تحت الأرض، أي على أعماق يصعب تحديدها بدقة والوصول إليها، فضلا عن أنها مفاعلات نووية ساخنة او نشطة وسوف يحدث تدميوها كارثة بيئية بلا حدود داخل إيران وعلي نطاق دولي واسع.. وهذا هو الاحتمال الغالب بالنسبة لعملية تدمير لمنشآت نووية بهذا الحجم وبهذه القدرات العالية وبهذه المخاط البيئية الفادحة…
لهذا اتصور أن البديل الأقل تكلفة والأيسر منالا بالنسبة لإسرائيل في هجومها المرتقب على إيران ، هو بشنها هجوما سيبرانيا واسعا لتدمير قواعد البيانات ونظم تشغيل العديد من مرافقها الاستراتيجية في قطاعات النقل والاتصالات والطاقة وشبكات الكهرباء ، وما إلى غير ذلك من قطاعات قد يؤدي تعطيل العمل فيهاإلى شل الحياة اليومية في إيران وارباك الدولة الإيرانية وافقادها قدرتها على التحكم والسيطرة على الكثير مما يجري فيها. ارجع مرة اخرى وأقول أن من أهم العوامل والأسباب التي تحفزهم على المبادرة إلى الانتقام من إيران بقوة ربما لم تكن واردة في حساباتهم أصلا، هو ضعف الضربة العسكرية الإيرانية الأخيرة التي كشفت عمليا وبالدليل عن جوانب الضعف في أسلحة الردع الايرانية.. وهو ما جعلني أقول في رسائلي السابقة عنها، ليت إيران لم تذهب في ردها على اسرائيل إلى حد استخدام هذا الكم من الصواريخ والمسيرات محدودة الجدوي والفاعلية. ، وابقت على أوراقها سرا.. واليوم يحشدون العالم كله وراءهم للانتقام من إيران ليس فقط بأسلحتهم وصواريخهم ومسيراتهم، وإنما أيضا بتغليظ العقوبات عليها وتعنيفها لخنقها وتدمير اقتصادها بصورة شاملة.. وهو ما يعني الإبقاء على إيران غارقة في دوامة من الصعوبات والتحديات القاتلة التي قد يستغرق التغلب على تداعياتها ومضاعفاتها المدمرة أجيالا وأجيال…