ألا يحاول العرب أن يسألوا أنفسهم عن ما الذي يتوقعونه أو يجلسون في انتظاره في الفترة القادمة والحرب على غزة دمرتها وأضاعت لها معالمها بما لم يعد يحتمل المزيد؟ وإلى متى سوف يستمروا يراهنون على الوهم ويمشون وراء سراب خادع اسمه دور المجتمع الدولي في وقف إطلاق النار ليعفوا به أنفسهم من دورهم في ما يمكنهم به الرد على اسرائيل لردعها ووقفها عن التمادي في جرائمها ضد الانسانية ؟
ماذا ينتظرون بعد فشل قرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول وقف اطلاق النار في غزة خلال ما تبقي من شهر رمضان، بعد أن عارضته اسرائيل ورفضته ، وبعد أن افرغته الإدارة الأمريكية من مضمونه بتفسيرها له بأنه قرار غير ملزم لإسرائيل، وأنه لا بد أن تسبقه مفاوضات للتوافق على اسلوب تنفيذه ، وهو ما قصدت به افشاله حتي وإن لم تستخدم الفيتو ضده.. وكان لها ما أرادت فقد سقط القرار وأوشك شهر رمضان على الانتهاء وجهود وقف إطلاق النار استمرت تراوح مكانها ولم تتقدم خطوة واحدة للامام..
وقبله ، فشلت قرارات محكمة العدل الدولية في لاهاي في حمل اسرائيل على وقف ابادتها الجماعية للمدنيين في غزة وانتهاكاتها الصارخة والمستمرة لقواعد القانون الدولي الانساني.. وهو ما افقد هذه القرارات الصادرة عن اعلي سلطة قضائية في العالم اهميتها.. وهذا ما توقعناه وقتها وحذرنا من المبالغة في توقع ما سوف يعقب صدور تلك القرارات..وقلت اننا امام دولة ارهابية عنصرية مدعومة بلا حدود من ادارة امريكية صهيونية.. ادارة استقبلت قرارات محكمة العدل الدولية بازدراء ولا مبالاة وادارت لها ظهرها ولم تعرها اهتماما بل عبرت عن انحيازها الي دفاع اسرائيل عن حربها أمام المحكمة ولتعطي اسرائيل الحق كاملا فيها باعتبارها دفاعاومشروعا عن النفس ضد خطر الارهاب الذي يتهدد امنها وسلامة شعبها.. .. ولتستمر الحرب على غزة وتوابعها في خان يونس ورفح كاعنف ما تكون هذه النوعية من الحروب العنصرية اللا انسانية…
وعندما يردد العرب طول الوقت أن على المجتمع الدولي أن يقوم بدوره ويتحمل مسئوليته عن وقف هذه الحرب علي غزة وشعبها، فانه لا بد وأن يسالوا انفسهم :أي مجتمع دولي يقصدون. ؟ فالمجتمع الدولي الذي نعرفه ممثلا في الامم المتحدة كأعلى جهاز سياسي دولي في العالم ، وفي مجلس الامن الدولي وهو اعلي جهاز امني دولي في العالم، وفي محكمة العدل الدولية وهي اعلي جهاز قضائي دولي في العالم ، حاولوا جميعا وفشلوا في مواجهة الحلف غير المقدس الذي يجمع بين تل ابيب وواشنطون ومن ورائهم الاتحاد الاوروبي الذي لا يتحرك الا بقدر ما تسمح به امريكا له.. فهو تابع منقاد لها وليس ندا مستقلا عنها.. وخلال ستة شهور من الحرب علي غزة لم يحقق انجازا كبيرا واحدا له لوقف حرب الإبادة الجماعية في غزة.. فأقدامه في الشرق الاوسط لكن عينه تظل معلقة على ما تقبله منه أو ترفضه واشنطون وتل ابيب..
وأما روسيا والصين وهما من أعمدة المجتمع الدولي بحكم أن الأولى هي ثاني أكبر قوتين عسكريتين في العالم، والثانية هي ثاني اكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.. لكنهما يتبعان في موقفهما من حرب اسرائيل علي غزة ما نسميه بموقف الحياد المتعاطف بشكل ما مع العرب ولكن يبقى موقفهما حذرا ومتحفظا لأن له حسابات أخرى ابعد ما تكون عن غزة وما يدور فيها، وهي حسابات تتعلق بتخوفهما في موسكو وبكين من ردود الفعل الامريكية المتوقعة ضدهما إذا ما خرجتا عن الحدود التي يمكن لأمريكا أن تقبلها منهما.. وهذا هو ما يفسر غياب تاثيرهما من كل ما يحدث على الساحة الفلسطينية الآن. والأرجح هو أن موقفهما لن يتغير وسوف يبقي على حاله من السلبية والحياد الشكلي المتعاطف أعلاميا لا أكثر..
هذه هي القوي الفاعلة والمؤثرة في حركة المجتمع الدولي، وهي قوي أما متحيزة بالكامل الي جانب اسرائيل كامريكا والاتحاد الأوروبي،أو قوى حاولت وفشلت كالأمم المتحدة باجهزتها الامنية والقضائية.، أو قوي بغير مواقف او حضور فعلي لها علي المستوي الرسمي كروسيا والصين، وتري في ابتعادها وتحركاتها الحذرة خط الامان المناسب لمصالحها بعيدا عن التورط في مواقف جريئة قد تجر عليها من العواقب ما تعتقد انها في غني عنه او ليس هذا وقته … واذا كانت هذه هي صورة المجتمع الدولي، فعلي ماذا نراهن ؟. وإلا نسال أنفسنا عن أيهما يجب أن يتقدم الآخر : نحن أصحاب القضية والموقف، أم المجتمع الدولي بخلافاته وتناقضاته وانقساماته وتعدد مراكز اتخاذ القرارات فيه ؟ وكما قلت سابقا أنه لا توجد منطقة أخرى في العالم تعلق حل مشاكلها وازماتها وحتي صراعاتها وحروبها الداخلية او الاهلية علي المجتمع الدولي مثلما تفعل المنطقة العربية..