دكتور هاني أبو الفتوح يكتب.. تحويل المشاكل إلى أزمات: أجهزة المدن الجديدة بين تصدير المشاكل والعجز عن حلها
تعتبر المدن الجديدة رمزاً للتقدم والتطور العمراني، إلا أنها تواجه تحديات إدارية تعكر صفو حياة السكان. فبدلاً من أن تكون أجهزة المدن الجديدة حلقة الوصل بين المواطنين والجهات المختلفة في الحكومة، وتعمل على توفير البيئة الملائمة في المجتمعات العمرانية الجديدة، يشهد العديد من سكان المدن الجديدة تصاعدًا للمشاكل بدلًا من حلها. ويبدو أن أجهزة المدن الجديدة تتبع إجراءات غير منطقية وتفتقر لتحليل تداعيات قراراتها على مصلحة السكان.
مدينة العبور، كغيرها من المدن، تواجه مجموعة من المشاكل التي تؤثر على جودة حياة سكانها ونظافة البيئة، وباعتباري أحد ملاك العقارات في مدينة العبور سأسرد بعض الأمثلة لمعاناة السكان في المدينة التي كان يطلق عليها عروس المدن الجديدة.
واحدة من أبرز المشاكل التي تواجهها أجهزة المدن الجديدة هي إصدار المخالفات على أصحاب العقارات. ومن الواضح أن هذه المخالفات غالبًا ما تنطوي على تقدير غير موضوعي للمخالفة حيث يتم فرض المخالفات من قبل مجموعة من الموظفين الذين يتمتعون بسلطة لا منازع لها ، مما يتسبب في إحداث ضغوط غير مبررة على المواطنين. فالمخالفة تصدر بحق صاحب رخصة العقار، بينما العقار يشغله عدة سكان اشتروا وحدات سكنية من المالك. ليس هذا فحسب، فالسكان يجدون صعوبة في التظلم من تطبيق تلك المخالفات، مما يفقدهم الثقة في جهاز المدينة ويزيد من عبء المشاكل التي يواجهونها.
أحد هذه المشاكل يتعلق بنظام جمع القمامة في المدينة. فقد تعاقد جهاز المدينة مع شركات نظافة لجمع القمامة من حاويات في الشوارع، وأيضًا من صناديق بلاستيكية من العقارات المشتركة في منظومة جمع القمامة من أمام المنازل. ومع ذلك، تم اتخاذ قرار مفاجئ برفع الصناديق من الشوارع بموافقة جهاز المدينة، نظرًا لتعرض بعض الحاويات للسرقة الى جانب سرقة أغطية بالوعات الصرف الصحي وغيرها في غياب واضح من الأمن. المدهش أن هذا القرار تم تنفيذه بدون إعلان وإمهال السكان إخطار نهائي بضرورة الاشتراك في منظومة جمع القمامة من المنازل، ومن ثم يصبح رفع حاويات القمامة من الشوارع ساري التنفيذ. لذلك نتوقع أن هذا القرار سيؤدي إلى تراكم القمامة في الشوارع، نظرًا لعدم اشتراك جميع السكان في منظومة الجمع المنزلي للقمامة.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني مدينة العبور من انتشار سيارات نقل وتريسيكلات بل أحيانا عربات كارو قادمة من خارج المدينة، تقوم بتنبيش حاويات القمامة لجمع المخلفات التي يمكن إعادة تدويرها. هذه النشاطات تعد تجارة مربحة جدًا، ومع ذلك، لا تتم مطاردة هذه المركبات بشكل فعال من قِبل إدارة الأمن بالجهاز التي تعمل حتى الثالثة عصراً، إذ أنهم ينشطوا في المساء حتى الصباح الباكر، مما يتسبب في تلويث الشوارع بالمخلفات التي تم تفريغها من الحاويات بهدف استخراج المواد القابلة للتدوير. كما تشهد الشوارع انتشارًا للباعة الجائلين وباعة الروبابيكيا الذين يتجولون بالأحياء بيعًا للسلع المختلفة. هذا التواجد الكثيف للباعة يؤدي إلى تحول الأحياء الراقية إلى مجموعات عشوائية غير منظمة وتشويه مظهر المدينة. وما يجعل الأمر أكثر صعوبة هو عدم مطاردة الشرطة لهؤلاء الأشخاص، وعدم اعتبارهم ضمن اختصاصها. فهل من المعقول أن يُصدر جهاز المدينة هذه المشكلة الى السكان لمطاردة المركبات والمخاطرة بسلامتهم في مواجهة جامعي المخلفات والباعة الجائلين، بينما الأجهزة المعنية تتقاعس عن دورها؟
إن تحقيق التوازن بين تنفيذ القرارات التنظيمية ومصلحة السكان يتطلب استراتيجيات واضحة ومتوازنة. وينبغي على أجهزة المدن الجديدة أن تعمل على دراسة تداعيات القرارات التي تتخذها وتتبنى إجراءات منطقية قائمة على العدالة والمصلحة العامة. كما يجب أن يتم تيسير سبل التظلم والاستماع إلى ملاحظات واحتجاجات السكان لضمان تحقيق التواصل الفعال وبناء الثقة بين الجهاز والسكان.