لم تكن ليلى سعيدة بحياتها في شقتها التي سكنتها منذ سنوات طويلة وكانت كلما نظرت إلى حوائط شقتها كلما راجعت ذكرياتها مع نفسها ومع أفراد عائلتها الذين غادروها كلهم ولم يتبق معها سوي بعض صور لهم وبعض المواقف المبكية وبعض الضحكات وهي جميعها ذكريات لا تختلف كثيرا عما تحياه مع بعض الجيران والمعارف التي تختلط بهم في يومها واثناء عملها .خرجت ليلي من عزلتها في ماضيها ودخلت في فترات طويلة من الصمت المطبق حتى وهي محاطة بأناس كثير في مكان عملها وفي العمارة التي تسكن بها وأيضا ماضيها في المدرسة وفي كلية التجارة حيث اتمت دراستها الجامعية .هيمن الصمت على حياتها وأصبحت كأنها نسيت أغلب الكلمات واقتصرت على كلمات محددة لاتتجاوز العشرات وكأنها تتعلم لغة جديدة وتتقن فقط ما بدأت تتعلمه منها وما يسدد فقط ما تحتاج أن تنطقه للتواصل، تواصلا كافيا لإقائها على الحياة.تناست سعاد الألفاظ فهي الأن لم تعد تقرأ ولم تعد تكتب مذكراتها ولم تعد تريد الخروج من بين حوائط الصمت المطبق حولها والخانق لها ولاأحلامها وأفقدها لياقتها الاجتماعية فقد يظن من يراها أنها تستمتع بهذا الصمت المطبق بل تحتمي بهذا الصمت من مفاجأت الحياة ومن ان يضحك عليها أو أن يخدعها أو حتي أن يجذب انتباهها رجلا يخرجها من الكهف الذي هربت اليه ورتبت اشيائها فيه للدرجة أنها رأت فيه أيضا الأمن والأمان وأصبح هذا الصمت يشبه أبوابا من الزجاج الشفاف الذي يحتاج إلى أيام لهدمه وليس إلى ساعات.