كثيرا ما نجد أنفسنا في حالة عجز عن التعبير السليم والدقيق لما نشعر به من مشاعر سواء فرح أو غضب، فيعجز اللسان عن انتقاء الكلمات والعبارات التي تحمل المعنى الحقيقي والسليم للتعبير . و كثيرا ما يخوننا التعبير دون قصد .وكثيرا نفرح عندما يصل ما نقصده تمامًا كما كنا نتوقع ، ويكون بمثابة معجزة أنه وصل دون تغيير لجوهر مكنونه كما هو .
وما أجمل عبارة ( لقد استوعبت تماما ما تقوله و ما تقصد ) ، ويكون بالفعل هذا حدث وما يقصد وصل كما هو دون تزييف أو تغيير . وصول المشاعر بالوصف الدقيق الداخلي في قلب أي إنسان منا يصعب إدراكه ويصعب ترجمته . ويبدو أنه هناك كثير من العبارات الخاطئة التي تحتاج لشرح وتفسير ولا يصل مقصدها وأحياناً تفهم عن طريق الخطأ وتسبب العديد من المشكلات وأحيانا تتسبب في الكثير من الإحراج ،
وهنا نقول عبارة أنجزت التعبير أو يقال أيضًا أحسنت التعبير فيكون التعبير هنا وصل في موجز بسيط ولكنه يحمل في طياته شرح بعمق كبير ولكنه نادراً ما يحدث ذلك بالفعل …..
أما بالنسبة للمنطق فهو لا يحتاج كثير من الإيضاح ولكن الاستشهاد بآراء كثيرة من الفلاسفة لتحليل ذلك الرأي بالمنطق والمنطقية المسجلة في قوانين الطبيعة والفلسفة والعلم والأدب والفن …..الخ ويكون المنطق هنا بمثابة رجاحة العقل والاتزان ،فهنا يأتي دور العلم والثقافة وما يحمله من منطق وتحليل لذلك المنطق وأيضا لا يحتاج للتعليل،وما المقصود من ذلك المنطق وتلك العبارة ببعض الأدلة القاطعة التي تحسم الخلاف بين الرأي والرأي الآخر .وقد أصبح هنا أهمية بالغة لوجود علماء المنطق والفلسفة وخرج عن حيّز حسن التعبير وإنما يحتاج أكثر من ذلك بكثير.
فهنا الهدف يختلف عند التعبير عن نفسي أو مشاعري أو وصف دقيق لحالتي ويحتاج عبارات واضحة ليصل المعنى للهدف المراد به تمامًا ،و إنما المنطق لا يحتاج مني كثير من الجهد والبحث لإيضاح القول ومقصوده مع شرح وتعليل لكل حرف في مكنون ذلك المنطق.
وهناك عبارة غريبة تقال…. بالمنطق قد نفهم كذا وكذا وكأن المنطق هنا شيء يفهم بديهيا . وبالطبع خطأ لمفهوم هذا القول لأن المنطق سبق وأن ثبت علميًا ،
وإنما كلمة بالمنطق يكون المقصود بها عدم التشكيك أي أن العلم والعلماء أثبتوا صحة العبارة والمقصود منها فلا تحتاج لجهد لكي تفهم على الإطلاق. فقط سبقنا بالدراسة و الجهد لتصبح هذه عبارة منطقية يفهمها العقل ويُدركها الحس دون جدال بالقول أو نقاش في مقصوده ،فها المنطق يحسم أمر أي خلاف أو جدال ،ولذلك يصبح المنطق للقول أو العبارة أو الموقف كتحليل فعلي للموقف مثبت سابقاً ولا تأويل له أو عليه،
وهنا يصبح من الصعب إيصال المعني المقصود من التعبير بالعبارات لو لم تكن يصاحبها المنطق الصريح لها،وبذلك تصبح كل عبارة يقال عنها أنها بالمنطق أو يقال أنها عبارة منطقية لا تحتاج للنقاش أي أنها تُفسر نفسها بالعقل المنطقي كما هي عقلياً ،
وكل ما يحمله العقل المنطقي من أفكار أو عبارات أو تجارب علمية متفق عليها سابقًا من ذي قبل من فلاسفة أو آدباء أو علماء فتصبح شأنها شأن التجارب التي وصلت بالاستنتاج إلي إدراك النتيجة الحقيقية فلا تحتمل التخمين بين تلك وذاك وتكون ثابتة بالعقل والحكمة . فما أسهل التعبير بالمنطق عن حقيقة المشاعر المجربة والمؤكدة كمثل مشاعر الأمومة ولاشك فيها بالطبع فهي صادقة حتى في مشاعر الأمومة عند الحيوانات كمثل الإنسان . وكمثل المشاعر الوطنية لا طعن بها فهي تصل لحد سفك الدم . فداء الوطن والاستشهاد في سبيل الوطن والاستشهاد في سبيل الله ، له إيمان ثابت في الأعماق فداءًا لإيماني ومعتقداتي و أرضي وعرضي ،وما أصعب التعبير دون المنطق لتوصيل تلك المشاعر الخفية في القلب أنها مشاعر حقيقية وصادقة والأهم من التصديق هو الشعور بالآخر فيما وصل إليه من مشاعر فرح أو حزن ،
ولا يستطيع التعبير ولا يدرك أي منطق يصل ويعبر عن ما بداخله من ألم أو وجع أو سعادة مبالغ فيها تصل لحد التعبير بأي صورة من صور الفرح أحياناً.فهنا يعجز التعبير بدون منطق فينطق اللسان بقوة التعبير الحسي الصوتي وهو أعمق منطق يدرك في الدنيا وأصدق مشاعر نصل بها دون منطق أو شرح أو تعليل…
وكمثل الصراخ أيضًا وهكذا ؛ ولكن لم يقصد أن تلك الأفعال قد تكون هى المصدر الفعال لتوصيل المشاعر ونعيش في ضوضاء ما بين الفرح والصراخ …. بالطبع لا.
ولكن المقصود هنا بلاغة التعبير بدون منطق تصل لحد الفوضى والضوضاء بالفعل ،والحل هنا يكمن في الثقافة والعلم ولغة الحوار المنطقي بالمشاعر الصادقة والعبارات الهادفة المنطقية في حل أي لغز بالكلام و العقل الراجح لنصل إلى الوفاق والاتفاق دون الهرج والمرج ،فيعلو شأن المنطق الوصفي والحسي كشأن الحس المنطقي والتعبيري تماماً.