لاشك أن الإرتفاعات المتتالية في الأسعار التي تشهدها السوق المصرية مؤخراً هي نتاج أزمات مركبة منها الخارجي المتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وتسجيل التضخم العالمي مستويات قياسية،إضافة إلى ما تسببت به الأزمة الروسية الأوكرانية من أزمات جديدة في قطاع سلاسل الإمداد والتوريد. ومنها الداخلى الذى يعود بشكل مباشر لتوجه الحكومة والبنك المركزي نحو تحقيق سعر عادل لصرف الدولار، وهو ما يجري في الوقت الحالي عبر إعتماد سياسة التعويم المرن أو المدار، يضاف إلى ذلك تجدد ظاهرة الاحتكار وغياب الرقابة وقيام التجار بربط كل زيادة يقرونها في أسعار السلع بأزمة الدولار وسوق الصرف.وهو ما انعكس على ما يعانيه المستهلك المحلى من ارتفاع أسعار السلع الإستراتيجية بنسبة كبيرة،رغم إعلان مجلس الوزراء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار السلع الأساسية فى منتصف أكتوبر الماضى،والسبب قد يرجع لعجز الحكومة عن السيطرة على الأسواق المحلية فى ظل إنفلات سعر الدولار بالسوق الموازية.ورغم تحديد سبع سلع رئيسية فقط، ستطرح بأسعار مخفضة بنسب تتراوح بين 15 و25%، بعد الإتفاق مع ممثلى التجار والصناع، على تقديم عدة حوافز للصناع والتجار لضمان مشاركتهم فى المبادرة، مثل إعفاء تلك السلع من أية جمارك أو رسوم لمدة 6 أشهر، وتوفير الدولار اللازم لدخول مستلزمات الإنتاج.إلا أن هذه المبادرة لم تفعل لأن تكلفة الإنتاج وقت الاتفاق على تفعيل المبادرة كانت تحسب على سعر صرف الدولار بـ40 جنيها فى السوق الموازية، والان تكلفة إنتاج تحسب على 49 جنيها للدولار حاليا،وهو ما يمثل عبء كبير على التجارة لا يمكن معه الإستمرار فى تفعيل مبادرة الإلتزام بتخفيض أسعار بعض السلع.وبالتالى فإن أى محاولة من قبل الحكومة المصرية للسيطرة على الأسواق عن طريق فرض سعر إجبارى أو ما شابه، سيكون له تأثير سلبى جدا على المستهلك المحلى، لأن مثل تلك الممارسات تؤدى إلى خلق سوق سوداء تباع فيها السلع بأسعار شديدة الارتفاع. الأمر الذي تزامن معه ارتفاع العجز الكلي في الموازنة العامة المصرية إلى 383.1 مليار جنية خلال أول شهرين من السنة المالية الحالية 2023-2024 ما يعادل نسبة 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 1.4% خلال الفترة نفسها من العام المالي الماضي.
وسبب الزيادة تعود إلى تحمل الموازنة تكلفة مرتفعة بسبب الفوائد على الديون نتيجة زيادة سعر الفائدة.ما يؤكد ذلك زيادة حجم مصروفات الموازنة العامة للدولة خلال نفس الشهرين إلى 590.7 مليار جنية مقابل 307.4 مليار جنية خلال الفترة المماثلة من العام المالي الماضي.وقد جاءت الزيادة بشكل كبير في بند الفوائد والذي بلغ 391.8 مليار جنيه (12.7 مليار دولار) خلال شهري يوليو وأغسطس من السنة المالية الحالية مقارنة مع 149.9 مليار جنيه (4.8 دولار) خلال الفترة ذاتها من العام الماضي. وبالتالى فإن ما نؤكد عليه أن زيادة سعر الفائدة محليا بنسبة 1% يرفع فاتورة مدفوعات الفوائد بقيمة 70 مليار جنية مما يؤثر سلبيا على عجز الموازنة، وهو ما يدعونا إلى المطالبة بضرورة تثبيت سعر الفائدة رغم الزيادة المرتفعة في معدل التضخم وذلك حتى لا تحمل الموازنة بهذه الأعباء.وبالتالى فإن الخيارات المطروحة فى يد الحكومة لضبط الأسعار ، تقوم على السيطرة على سعر الدولار فى السوق الموازية، وهذا لن يتحقق إلا بتوفير العملة الأمريكية من قبل البنوك بانتظام ، مع إيجاد السبل لتعظيم الحصيلة الدولارية من المصادر الخمس الرئيسية لمصر وهو الصادرات وتحويلات العاملين وايرادات قناة السويس ،والاستثمارات الأجنبية المباشرة ، وعائدات السياحة .
كذلك فإن من الخيارات التى يجب النظر إليها بعين الإعتبار السعى لتثبيت أسعار السلع مع بعض بنوك الاستثمار بما يسمى سياسة التحوط، التي تستخدم في السلع الاستراتيجية. وهى سياسة تستخدمها الدول أو القطاع الخاص، في السلع التي تشهد تذبذبات سعرية عالية مثل المحروقات والزيوت والأقماح والذرة والأعلاف، وتسمح هذه السياسية بتأمين احتياجات الدولة بأسعار ثابتة. وما يعزز هذه الآلية أن مصر من أكثر الدول تأمينا للسلع الاستراتيجية من أجل خدمة المواطنين.
ولكن الحكومة يجب عليها فى المقابل لمواجة موجة الغلاء الحالية التي يعاني منها المواطن، الا تترك دون حساب من يقوم بها أو تسبب وشارك فيها من جانب التجار، وعلى الأجهزة المعنية في وزارة التموين التى تمتلك أكثر من ٤٠ ألف منفذ لبيع السلع أن تقوم بدور فى ضبط الأسواق ومواجهة جشع التجار في ظل هذا الارتفاع الجنونى فى الأسعار.
د. علاء رزق يكتب……….التحوط الحذر وتأمين الإحتياجات