د. علاء رزق يكتب...فرض القوة ومبدأ التنمية (١)
بداية موفقة فى إنتظار الإقتصاد المصرى الذى قدم طوال أكثر من تسع سنوات دلائل قوية على مرونته وكفاءته وجدارته، فمع مطلع هذا العام بدأت خمس دول من بينها مصر إتمام إجراءات إنضمامها رسمياً إلى مجموعة البريكس، وهذه الدول الخمس تمثل حزام حقيقى للدول الكبرى الأساسية فى البريكس وعلى رأسها الصين والهند وروسيا، فالدول الخمس الجديدة تمثل شريط افقى لأهم منطقة فى العالم تتحكم فى الممرات المائية والتجارية العالمية، وتتوافق مع طموحات دول التجمع خاصة الصين صاحبة طريق الحرير.
وتتيح توسعة المجموعة على ذلك النحو قوة دفع هائلة للمجموعة التي تسعى لإحداث التوازن على الصعيد الاقتصادي، ومنافسة مجموعة السبع الصناعية G7،التى تستحوذ على ثلثى حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمى ، مقارنة ب 25,6% لدول تجمع البريكس والتى ستزداد إلى 28,8%بعد انضمام الدول الخمس هذا العام، والتى تسيطر أيضاً على 20%,من التجارة العالمية وحتماً ستزيد هذه النسبة بعد انضمام مصر، ورغم أن الدول العشرة لتجمع البريكس تمثل نصف عدد سكان العالم (٣,٨ مليار نسمة) ، وتسيطر على 25% من مساحة اليابسة الا انها ستجد صعوبة بالغة فى مواجهة إقتصادية وتجارية مع القوة الإقتصادية الأولى الولايات المتحدة الأمريكية المتحكمة والموجهة لمسارات القوة ، وبالتالى فإننا نرى أن نجاح البريكس في تحقيق التوازن الاقتصادي حول العالم وهز عرش الدولار يتوقف نجاحه في إرساء فكرة التبادل التجاري بالعملات المحلية، على غرار خطوات سابقة على سبيل المثال لكل من الإمارات والهند والصين في كيفية التعامل بعملات متبادلة، كما أن مصر أعلنت عن معاملات بالعملات المحلية مع دول أخرى.ونرى أن هذا التكتل يمكن أن يلعب بعد مضاعفة أعضائه دوراً في تحقيق التوازن الاقتصادي حول العالم، وإنهاء الهيمنة الإقتصادية لبعض الدول الكبرى، كما أن الدول المنضمة ومنها مصر ستضع عليه آمالا كبيرة بما يمثله هذا التجمع من فرص اقتصادية واعدة، وقوة منتظرة، وهذه القوة ستظهر من خلال :قدرة هذا التكتل على زيادة الدول الأعضاء في المراحل المقبلة خاصة دول القارة الأفريقية وعلى رأسها نيجيريا. فضلاً عن القدرة على إتخاذ قرارات من شأنها تغيير بعض المفاهيم والمعادلات والعلاقات في الاقتصاد الدولى .استناداً إلى الوزن النسبي للصين وروسيا والهند والسعودية والإمارات ،ومعهم مصر والتى تمثل قوة تكتل عظيمة فى مواجهة تغيرات كثيرة وصراعات يشهدها العالم الآن ومستقبلاً، فهل تظل الأمور كما هي أم تحدث مستجدات تؤدي لنجاح التكتل أم سيكون وجوده غير ملموس؟فى ظل زيادة حدة الأضرار الاقتصادية الناجمة عن التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة،والتى قد تؤدي إلى التضحية بما يصل إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.وعلى الجانب الآخر تحاول القيادة المصرية أن تقتنص الفرص وانصاف الفرص من الدخول فى هذا التجمع الدولى لإستكمال خارطة الطريق الاقتصادى ،عبر الإستمرار فى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى بدأ فى عام ٢٠١٦ وتسعى معه مصر إلى ضمان تحديث المكون الصناعى ،واحداث الثورة الزراعية الكفيلة بالوصول إلى ١٧ مليون فدان أراضى زراعية ، وأيضاً الربط مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي ، لذا تسعى القيادة المصرية إلى إستعادة المسار الإصلاحي ،بالتركيز على ثلاثة محاور هي: السياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاحات الهيكلية،عبر التحكم في معدلات الدين وترشيد الإنفاق الحكومي. فقبل عام 2021 وهو عام جائحة كورونا كان مساره نزوليا بصورة كبيرة، وكانت مستهدفات الحكومة خفض الدين في 2020/2021 إلى أقل من 75% من الناتج المحلي الإجمالي،وهى النسبة الدولية المقررة لوجود نظام اقتصادي سليم وصحي وقادر على الانطلاق والنمو ، لكن ظهور الأزمات العالمية غير من واقع الأمور.ولكن الدولة المصرية استطاعت استيعاب جزء كبير من هذا التضخم، رغم زيادة الدين والتى ارتفعت نسبته لـ 95% من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك الدولة تضع اليوم خطة واضحة لمسار 5 سنوات قادمة، تستهدف الوصول تدريجياً إلى ما دون 80% ، حيث تتضمن هذه الخطة العديد من الإجراءات والمحددات الواضحة.وأما فيما يتعلق بالسياسة النقدية، فالبنك المركزي يسعى لمكافحة التضخم، والتقليل من معدلاته، من خلال تنفيذ العديد من الآليات، من بينها ما يتعلق بسعر الفائدة، وسعر الصرف، بهدف الوصول بالتضخم بحلول عام 2025 إلى ما دون 10%.وبالنسبة للإصلاحات الهيكلية، فالهدف منها كما أكده رئيس الوزراء جعل الاقتصاد المصري قادر على مواجهة أي صدمات عنيفة ،ومن خلال التركيز على قطاعات الاقتصاد المستدامة،لذا فإننا نعول فى المرحلة المقبلة على الإستمرار فى تنفيذ مجموعة كبيرة من الإصلاحات، تتضمن إقرار العديد من الحوافز، وتعديل قانون الإستثمار، وغير ذلك من القرارات والإجراءات التي تسهم في تشجيع وجذب الاستثمارات لمختلف القطاعات. والتوجة المرضى مع هذا التجمع عبر بنك التنمية الجديد الذى يبلغ رأسماله أكثر من 100 مليار دولار لإستكمال تمويل مشاريع البنية الأساسية والتنمية المستدامة في مصر بصفتها عضو جديد ،مع التعاون مع الإقتصاديات الناشئة والاخرى.
ما نؤكد عليه أن النظرة التنبؤية للرئيس عبد الفتاح السيسى ساهمت فى تحويل مصر الى منصة تصنيع تستهدف انتاج صناعات متطورة على غرار الدول المتقدمة كالسيارات والمحركات والآلات الحديثة والصناعات التحويلية والتكنولوجية والعسكرية والغذائية، فضلاً عن تعزز آفاق الخدمات المصرفية والتعليمية والسياحية والصحية، وتراهن القيادة السياسية على إحداث طفرة في إيراداتها بتعزيز الاستثمار في السياحة والوصول إلى ٣٠ مليار دولار عائدات سياحية سنوية ،وبفضل ذلك من المرجح أن يتخطى حجم الناتج الإجمالي المصرى عتبة التريليون دولار في2030،مما سيعزز موقع مصر على الساحة الدولية على المدى القريب والمتوسط كقوة اقتصادية عالمية نامية على مسار التحول السريع الى مصاف الاقتصاديات المتقدمة على المدى البعيد. وإيمانا أن مسار نمو القوة الاقتصادية المصرية في المستقبل مستمر بسبب التحسن التدريجي لبيئة الاعمال، واعتزازا بجهود مصر فى مكافحة الفساد خاصة الإدارى، فقد أدى ذلك إلى تعزيز ثقة المستثمر المحلي والعربي والأجنبي بمستقبل الاقتصاد الوطنى، ليصبح وجهة جاذبة أكثر للاستثمارات الأجنبية خصوصا على مستوى (سوق الأسهم) ، ومن المرجح أن النمو المستقبلي لحجم الاقتصاد المصرى قد ينافس اقتصادات أوروبية وآسيوية عريقة بحلول 2030 حتى 2050 . وهو ما سوف نتناوله في المقال القادم إن شاء الله.
د. علاء رزق يكتب…فرض القوة ومبدأ التنمية (١)