تناولنا في المقال السابق كيف أن القيادة السياسية المصرية إستوعبت أن تحقيق النمو الاقتصادي الشامل هو التحدى المحورى للفترة المقبلة ، وأن دعم عملية التحول الهيكلى ،ورفع كفاءة الحكومة تقوم على عدة عوامل منها دعم ديناميكية الأعمال ، وتشجيع الإندماج في سلاسل القيمة العالمية ، وتحسين قدرات المشروعات الصغيرة ، وتشجيع الابتكار والحوار المجتمعى ، ويبقى عامل الإستثمار في المعرفة والتعلم مدى الحياة وإكتساب المهارات. ولحسن الحظ يتواكب الحديث عن هذا العامل مع توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال جلسة بناء الإنسان ضمن فعاليات يوم الإحتفال بتفوق جامعات مصر والتى كشفت عن حرص السيد الرئيس على إقتحام المشكلات التعليمية لحلها ووضع خطة متكاملة للنهوض بالتعليم ، للدخول إلى عصر جديد بخريج قادر على استيعاب سوق العمل،والمشاركة فى مسيرة تنمية الوطن ،وبما يسهم فى إعادة صياغة وتأهيل الشخصية المصرية نحو مستقبل أفضل،فى ظل وجود تحديات، بداية من الأبنية التعليمية التى تحتاج إلى التطوير، والمناهج الدراسية بجانب التحديات العالمية وظهور وظائف جديدة وإختفاء وظائف، ما يجعل هناك حاجة لأن تكون المدرسة فرصة لتطوير مهارات الطلاب وفق منظومة كاملة شاملة. وهو ما عكس إهتمام الرئيس السيسى بضرورة توفير كافة السبل اللازمة لتطوير المنظومة التعليمية فى إطار الإستراتيجية الوطنية لـ التعليم والبحث العلمى، التى تهدف لتطوير هذين القطاعين الحيويين، وتوفير مناخ محفز لتوطين وإنتاج المعرفة، ودعم التحول نحو جامعات الجيل الرابع لمواكبة التوجهات العالمية،وبالتالى فإن ما يجب أن نلمسه وندركه ، هو وجود رسالة مهمة حول عنوان المرحلة القادمة وهى بناء الإنسان المصرى وإعداد جيل قوى ومؤهل، إذ أنه وللمرة الأولى يتم الإحتفال بأوائل خريجى الجامعات المصرية وهو ما يحمل تقدير الرئيس السيسى للتعليم، وللشباب والذى ثمنه السيد الرئيس فى اليوم التالى خلال إحتفالية وزارة الأوقاف بذكرى المولد النبوي الشريف، بالتأكيد على أن الصعاب الحالية إلى زوال قريب باذن الله، والإيمان بأن الشباب هم عصب الأمة ووقود المستقبل، وأن الدولة تعمل بكل قوة على تمكين الشباب على القيادة، علاوة على إفساح المجال أمامهم . فتأكيد الدولة المصرية على أهمية العلم والمعرفة في صياغة الفلسفة القائمة نحو التنمية المستدامة، هو ضرورة من ضروريات الأمن القومى، لنعيد إلى الأذهان من جديد أهمية العلاقة القائمة بين العلم والمعرفة من جانب، وبناء شخصية الإنسان من جانب آخر في تشكيل مجتمع المعرفة، فليس هناك أمة تقدمت وإرتقت إلا من خلال العلوم، وإتساع المعرفة لدى أبنائها، وهو أمر رسخه الرئيس السيسى منذ الوهلة الأولى عند صياغة سياسات الدولة وخططها نحو التنمية المستدامة. وهي السياسات التي إعتمدتها القيادة المصرية كإستراتيجيات ومنهج ثابت في بناء المؤسسات التعليمية،ودور العلم .
إستنادا إلى التزام قادة العالم منذ سنوات قليلة بهدف التنمية المستدامة رقم 4 والذي يدعو لتوفير تعليم جيد شامل ومنصف للجميع بحلول سنة 2030 بعد التحذير من أن التغافل عن ذلك سيؤدى إلى وجود أكثر من 800 مليون طفل لن يجدوا تعليم منصف ،وبالتالى فإن هذا الفشل سيؤثر سلباً على بقية أهداف التنمية المستدامة.وهو ما تحاول أن تتجنبه الدولة المصرية ، مع اليقين بأن قلة الاستثمار هو جوهر أزمة التعليم ،ايضا تجنب ما وقعت فيه حكومات الدول النامية والتى لا تطلب التمويل من أجل التعليم ،ولكن تعطي الأولوية للقروض من أجل رأس المال المادي، على الإستثمار في رأس المال البشري مثل التعليم وهذا يمثل أمر سيء بالنسبة لتلك الاقتصادات،ذلك ان التنمية المستدامة أصبحت هدفا إستراتيجيا والذى يتم من خلال مجموعة من الأدوات والوسائل ،يأتى على راسها ما يتعلق بالاستثمار المعرفى، الذى يمثل حجر الزاوية للنهوض بالاقتصاد القومى بعد أن أصبح الاقتصاد الريعى لا يحقق هذه الأهداف بالنسبة المطلوبة.حيث لم تعد آليات الصناعة التقليدية تمثل القوة الاقتصادية في عصرنا الحاضر، بل أصبحت القدرة على إنتاج المعرفة من أولويات النشاط الاقتصادي.
وبالتالى فإن القيادة السياسية المصرية قد أدركت الدور المحورى للجامعة في تعزيز البحث العلمي والاستثمار المعرفي،وأنها المسؤول الرئيسي وراء التنمية المستدامة كون مهمتها لم تعد تقتصر على التعليم والبحث، بل أصبحت المحرك الرئيسي لاقتصاد المعرفة كما صورها رئيس جامعة ميريلاند ، قائلاً: تشعل البحوث الجامعية اقتصاد المعرفة كما تشعل الكهرباء اقتصاد الصناعة. وبالتالى فإن ما نؤكد عليه ضرورة أن تكون المعرفة هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، حتى يتحول مركز الثقل من المواد الأولية إلى التشديد على المعلومات، والمعرفة، ومراكز التعليم . وكما كانت الأرض عامل الإنتاج الرئيسي في الاقتصاد الزراعي والآلة عامل الإنتاج في الاقتصاد الصناعي، فإن المعرفة هي عامل الإنتاج في الاقتصاد المعرفي. وعلى هذا الأساس أصبح قطاع المعرفة قطاعاً اقتصادياً جديداً يضاف إلى القطاعات الاقتصادية التقليدية.حيث تم تقدير أن أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي في دول OECD مبني على المعرفة. وانطلاقاً من هذه الأهمية والمكانة التي أصبح الاقتصاد المعرفي يحتلها اتجهت معظم دول العالم نحو الإستثمار في المعرفة والتطوير في القطاعين العام والخاص.
والسؤال الذي يجب طرحه هو ،كيف نحصل على مجتمع اقتصاد المعرفة؟ قد تكون الإجابة من تجارب تنموية رائدة لدول كثيرة قامت على مجموعة من الركائز أهمها: أولا: تطوير المجتمع المحلي عن طريق رفع المستويات المعرفية. نشر ثقافة التكنولوجيا ثانياً :رفع الكفايات الأدائية للتعامل مع تكنولوجيا المعلومات.
ثالثاً :تحديد الأهداف التي ينبغي السعي إليها.
رابعاً: تأهيل المعلمين للقيام بالأدوار الجديدة في ظل اقتصاد المعرفة. خامساً: إعادة النظر في طرائق التدريس والتشديد على التنمية الفكرية. سادساً: إعادة النظر في بناء المناهج والمقررات الدراسية، والتجهيزات المدرسية وتنظيم بيئة التعلم. مع الاهتمام بالتعلم الذاتي المستمر،وتعليم الناس كيف يتعلمون.
سابعاً: التشديد على الكيف في التعلم لا على الكم، مع تحويل الطلبة من مستهلكين للمعرفة إلى منتجين لها.
ثامناً: تبصير الطلبة بسلبيات العولمة وإيجابياتها والإنفتاح على الثقافة العالمية مع المحافظة على الهوية الوطنية. وأخيراً، فإن الإستثمار في التعليم يتأثر مثل أي استثمار آخر بالعوامل الخارجية، فعلى سبيل المثال تسببت جائحة كورونا في أكبر اضطراب عالمي منذ الحرب العالمية الثانية، وكنتيجة لهذه الجائحة فإن اقتصادات الدول حتى العملاقة منها قد تأثرت بشدة، واضطرت الحكومات إلى زيادة الانفاق على القطاع الصحي والخدمات العامة، مما كان له أثر كبير على القطاعات الأخرى ومنها التعليم، وكما حدث في الحكومات حدث للمؤسسات المستثمرة في القطاع التعليمي ولعل العديد منها قد انسحب أو عمل على ترشيد الإنفاق، مما أدى إلى تقليل جودة التعليم.ما نؤكد عليه أن التعليم هو حجر الزاوية الذي تقوم عليه الدول، فبدون التعليم الجيد لا يصبح لدى الدول من الأفراد ما يساعد على تحقيق الخطط المستقبلية، ولا الأهداف التي تسعى لتحقيقها. ولكي تحقق الحكومات والدول مرادها لابد من النظر إلى التعليم على أنه استثمار جيد، كما لابد أيضاً من النظر إلى التحديات التي تواجهه ولكن بشكل غيرأحادي. ،،، وللحديث بقية.