علاء رزق

د.علاء رزق يكتب....قمة المنامة وصحوة الكرامة

د.علاء رزق يكتب….قمة المنامة وصحوة الكرامة

[email protected]

انطلقت أمس الخميس في العاصمة البحرينية المنامة، أعمال القمة العربية 33 في خضم مشهد معقد في المنطقة، تخيم عليه أحداث فلسطين ،لذا فإن هذه القمة تأتي ضمن ظروف استثنائية، فمشروع جدول الأعمال يتضمن بنود رئيسية تتناول مختلف القضايا المتعلقة بالعمل العربي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأمنية.ولكن الشق الثقافي قد يحتل نحو 10% من الملفات المطروحة على القادة العرب، ولكن هذا الملف من الأهمية العظمى التى يجب إكسابها عليه فى هذه القمة، وهذا الملف تضمنته قمة جدة السابقة، حيث ركزت على موضوع المحافظة على الثقافة العربية الأصيلة،وتكريس إعتزازنا بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الراسخة،وندرك يقينا إدراك القادة العرب المحافظة على الهوية العربية، وأن يدرج كبند رئيسي ضمن بنود القمة، لمجابهة الغزو الثقافي والتحديات التي تواجه عاداتنا وتقاليدنا، كما أن المحافظة على الهوية العربية لا يقتصر فقط على القادة العرب، وإنما يقع على عاتق الشعوب لمواجهة الغزو الثقافي الذي ينخر في الجسد العربي.فالغزو الثقافى كان هو البداية الواسعة لدخول الدولة الصهيونية إلى أرض العرب(فلسطين) عبر جمعية صهيونية فى بازل بسويسرا عام ١٨٩٨ ،مهدت الأرض عبر آلة الإستعمار الغربى خاصة من جانب بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية إلى تمكين هذا الغزو الفكري والثقافي والوصول لوعد بلفور 1917، لذا فإن إعطاء هذا الملف أهميته التى يستحقها من جانب القادة العرب لهو من صميم تحقيق الأمن القومي العربى ، ووأد المشروع الصهيوني التوسعى ، لذا فإننا نرى أن الغزو الثقافي من اخطر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في الوقت الراهن، وهو أكثر خطورة من التحدي السياسي والتحدي الاقتصادي, وذلك لما له من علاقة وطيدة تنسحب على المجتمع ذاته، لذا لم نخرج بعيدا عندما تناولنا فى مقالات سابقة بأن العولمة ليست مجرد سيطرة وهيمنة وتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب، ولكنها ابعد من ذلك، أذ أنها تمتد لثقافات الشعوب، وتعمم نموذجاً من القيم، وقد أكد على ذلك الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب بنفسه حين قال”إن القرن القادم، القرن الواحد والعشرين، سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي. ولذلك سعت أمريكا منذ ذلك الحين إلى الترويج لهذه النظرية وتصديرها إلى العالم العربي بهدف تقويض منظومة القيم في المجتمع العربي. لتكون النتيجة هى القضاء على التنسيق الفكري والعقائدي والفلسفي ومتانة التضامن الأسري في المجتمعات العربية. وأدى أيضاً إلى اتساع الهوة الفاصلة بين الأجيال المختلفة. فعندما لا يوجد للأسرة دور ديني وصائغ للأفكار، يصبح من الممكن للأبناء اعتناق نظام قيم مختلف عما يعتنقه الآخرون.وفى رأينا أن هذه الهوة تتسع الآن لأن المادة الإعلامية والثقافية الغربية، لا تجد صعوبة في الوصول إلى عقل ووجدان المتلقي في دول العالم الثالث، وخصوصاً العربية، والكارثة التى تزيد الهوة اتساعاً أن الغرب، يتحكم بأكثر من 80% من المادة الإعلامية التي تبث عالمياً، وان الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم بنسبة 65%من هذه المادة الإعلامية. وقد سبق لمستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق (بريجينسكي) أن ذكر:”انه يتوجب على الولايات المتحدة التي تملك هذه النسبة العالية من المادة الإعلامية ان تشيع في العالم النموذج الأمريكي للحداثة من خلال تعميم المعايير والمبادئ الأمريكية،حتى تحافظ الولايات المتحدة الأمريكية على بقائها القطب الأوحد عبر السيطرة على 50% على الأقل من ثروات العالم وهى نفس فلسفة العالم الأمريكى جورج كانن التى أسسها فى نهاية الأربعينات من القرن الماضي . لذا فإن تبنى منطلقات مخالفة لمنطلقات الثقافة الغربية، أصبح أمرا مهما يجب أن تحمله قمة المنامة، بعد أن بات واضحاً أن الاختراق الثقافي والفكري يعمل على تهديد منظومة القيم العربية الأصيلة، ويشكل نوعاً من الازدواجية الثقافية التي تجتمع فيها تناقضات الأصالة والمعاصرة، مما يؤدي إلى تهميش أو تغيير ملامح الثقافة الوطنية.لذلك تأتى هذه القمة المنامة فى ظل أجواء تحمل نذر التعرض لغزو ثقافي مضاعف، تمارسه علينا الدول الإستعمارية التقليدية.اما الوسائل فهي ليست عسكرية بالمعنى المعتاد ولكنها إعلامية بالمعنى الواسع.ولذلك فإن التصدي لهذا التهديد يتطلب هو الآخر التفكير في وضع آليات من شأنها ان تعمل على اعتراض وصد هذه التهديدات. مع اليقين بأن تفوق الغرب عسكرياً وعلمياً كان له أثره البالغ في تحقيق الكثير من النفوذ في نفوس البعض لأن الغزو الثقافي لا يقل خطورة عن الغزو العسكري، بل يمكن أن يكون أشد خطورة منه، فالمقاومة والمواجهة العسكرية يمكن أن تنجح في طرد الإحتلال وإجباره على مراجعة خسائره والعودة بخفي حنين، وهو ما نتوقعه قريبا عبر نجاح المقاومة الفلسطينية فى القضاء الوجودى على هذه الدولة الصهيونية ، ولكن ما يجب أن نحذر منه مستقبلاً هى نجاحهم فى غزو العقول العربية وفق النمط المراد، وهي حالة تستدعي جهوداً ضخمة وعملاً متواصلاً وزمناً طويلاً لمواجهتها ومعالجة آثارها.لذا فإننا نأمل أن تكون قمة المنامة انموذجا للتعاون العربي الفعال لمواجهة هذا التحدى الاعظم .عبر نهضة تعليمية في الدول العربية، تقوم على : التنوع والمرونة،مع إطلاق حرية الفكر والتعبير والتنافس في الإنتاج، وخاصة بين الجامعات التى يجب إعادة هيكلتها ومكافحة فسادها. كذلك ضرورة إستثمار واستغلال الثروة العلمية والثقافية المتواجدة بشكل كبير داخل المجتمعات العربية، وأن ندرك أن أفضل السبل لمواجهة تداعيات الغزو الثقافي هو التحاور مع الآخر، ورفض فكرة الإنغلاق, والاستفادة من الجوانب الايجابية للعولمة الثقافية، وترك كل ماله صلة أو مساس بأخلاقيات وقيم المجتمع العربي. واخيرا يجب النظر إلى أمرين مهمين: الأول: الوعي بآليات ووسائل هذا الغزو، والعمل على امتلاك وسائل،والثاني:امتلاك مضامين ثقافية وفكرية مغايرة لما يحاول الغرب ترويجه. ونرى أننا قد ننجح فى تحقيق ما سبق ولكن النجاح الاعظم والذى سيضمن لنا البقاء بعيدا عن سموم هذا الفكر تكمن فى قدرتنا العربية فى مواجهة ردود الفعل التي ستعمل كل ما بوسعها لإفشال جهود مواجهة الغزو الثقافي، فطابور المنتفعين طويل جداً فيما يمتلك الكثير من المقدرات، وبيده أغلب أدوات القوة، ما سيجعل الطريق وعراً والمعركة تحتاج إلى المشاركة في وضع لبنات مشروع ثقافي يكون حصناً منيعاً لدى أبناء الأمة، يعيدهم للصواب، ويمنحهم الثقة بالنفس والطاقة اللازمة للسير في طريق تحقيق الاستقلال من التبعية، فهي إذن مهمة غاية في الصعوبة. وللحديث بقية إن شاء الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى