د.مصون بيطار تكتب...شجرة الأخوة
في هاتيك الغابة الوادعة ، اخضرت شجرة راسخة الجذور وازّينت بأوراقها الزاهية ، وقفت شامخة سامقة على ربوتها رغم أنف الصخور ، تداعب أغصانها النسمات وتصافح أغصانها الغضة أشعة الشمس الذهبية كلما أشرق صباح ، تعاقبت عليها أسراب الطيور الوفيّة تبني أعشاشها آمنة هانئة حيث الخضرة و الظل والنسيم العليل ، ترفرف جذلى وتغرد بحبور على مدى العصور ، طيور متحابة متآلفة تفاخر بشجرتها كلّ الأطيار وتغليها عن كلّ الأشجار .
ذات غفلة من الطيور السعيدة وتحت جنح الظلام ، تسللت بغاث من الطير وشرذمة من الغربان طمعا وحقدا وتعديا، وأخذت تزرع الفرقة بين الطيور المتآخية ، وتكسّر الأغصان القوية وتنهب الثمار الطرية … دب الخلاف بين الطيور ..تخالفت ..تصايحت .. تسابت ..تعاركت ، وادّعى كل منها ملكية الشجرة المنهوبة وأقسم على إقصاء شركائه في الشجرة و العيش .
لكن الطائر الوفي حزن على ضياع الشجرة و صراع الإخوة و أدرك بذكائه، التحركات المريبة و حجم المصيبة والنهاية العجيبة .
فدعا الطيور إلى اجتماع عاجل يؤجّل فيه كلّ خلاف لتدارس الخطر العظيم و الضرر الجسيم
هدى الله الطيور فاستجابت واجتمعت على غصن الشجرة لتدارس الأمر و معالجة الخطر .
تحدث النسر :
إن شجرتكم راسخة الجذور في التاريخ ، قوية الجذع لا يهزها الريح ، دائمة الخضرة معطاءة ،
الشجرة أم الجميع عاش على أغصانها آباؤنا والأجداد بكل محبة ووئام .
قال مالك الحزين : إن من يهجر شجرته سيعيش على هامش الأشجار مدحورا يعاني ذلة الغريب وألم الفراق .
رفع الهدهد جناحه طالبا الحديث :
لقد جئتكم من الغابة بنبأ يقين : إني وجدت شجرة ضخمة تعج بالثمار ،أحرقتها الطيور بالفتنة والخلاف حين لم تعش طيورها بمحبة وائتلاف .ووجدت شجرة برية جافة حولتها طيورها بالحب والسلام إلى دوحة غناء يسودها الوئام .
وقف الصقر قائلا :
شجرتنا صمدت عبر التاريخ لم تهزها ريح صرصر عاتية ، بنيناها أعليناه بالعقل والتدبير ، والعمل المخلص الدؤوب ، والقلب المحب الرؤوم .
ثم نادى في كل الطيور خاطبا :
يا طيورنا
الشجرة وطن
أرضه حرام
وسماؤه حرام
وماؤه يا طيورنا
على عدوكم حرام
حرام حرام حرام
أعجبت الطيور بكلامه الجميل ورأيه الأصيل ، تعانقت .. فرحت .. رقصت .. وانطلقت لأغصائها طردت المعتدين و محت آثارهم القبيحة و أخذت تبني أعشاشها ، وترعى صغارها ، وتنعم بثمارها ، وغرد الحسون على الغصن معلنا الحب والسلام في شجرة الأخوة والوئام