زحف الليل مسدلا ستاره على الأنام ليحتمي كل واحد مع ذاته، يناجي نفسه قبل أن يسلم روحه لله، لقد قضوا النهار في معترك الحياة يصارعونها لأجل لقمة عيش ناشفة، البرد يلسع ولا يرحم أولئك الذين حرمتهم الأقلية حقهم من أن ينالوا بعضا مما لديهم من الدفء.
أغمضوا أعينهم بعد أن نال منهم البرد حتى ارتعدت أوصالهم المتجمدة، ما ظن أحد أن غدا سيصبحون على دمار وموت.
لقد كان الناس في سبات عميق حين غضبت الأرض وثارت حتى اهتزت، لتبتلع كل من وُجد فوقها دون أن تستثني طبقة، هي الأرض حكمها دوما سيظل عادلا حتى عندما سندفن تحت تربتها كيف لا؟ ومن يحكم قبضتها العادل القوي، غفلتهم وهم نيام فاختارت أن تكون ثورتها عند اقتراب الفجر ، استفاقوا ليجدوا أنفسهم عالقين والمنازل بل العمارات قد انهارت، لم يعد يتراءى سوى حطام المباني وصراخ تحت الأنقاض.
هبت فرق الانقاذ بعد أن استكانت الأرض وخمدت، بذلوا قصارى جهدهم لإنقاذ من بقي على قيد الحياة أو انتشال من كُتب له أن يفارقها، مشهد يدمي القلوب، حيث لا تسمع سوى أنينا وبكاء من شدة الوجع، طفلة تنتحب مذهولة لفقدها كل أسرتها وبقائها لوحدها في هذه الحياة، وهناك أب يرثي زوجته وأولاده، وفي جهة أخرى عويل وصراخ لامرأة تبحث تحت الأنقاض عن فلذات كبدها وهي ترمي بالركام كمن أصيب بمس.
لكن ما أثر في القلب وأدمع العين هو أنين كلب وكأنه يبكي، يجلس في مكان لم يتحرك منه حيث توجد فيه فتاة لم يكن يظهر منها من بين الأنقاض سوى يدها، كان ينبح دون توقف وكأنه يناديهم بلغته ويطلب منهم أن يأتوا حالا، فصاحبته ستفارقه إن لم ينقذوها.
لم يهدأ من النباح حتى أتوا لنجدتها وأخرجوها بمشقة النفس، وكلبها متشبت بها يخاف أن يسرقها الزمن منه فلن يجد قلبا مثل قلبها يحن عليه وترعاه كما عهدها.
هو الوفاء ظل يسكن الكلاب ما نكروا الجميل يوما، بل عاشوا وهم يضحون بكل ما لديهم وإن اقتضى الحال بحياتهم، فما أنبلهم وما أخلصهم.
ياليت البشر يقتدون بهم في وفائهم لما شعر أحد بالخذلان، ولما وجدت دمعة منسابة في خد من أعطى من قلبه حبا صادقا، نعم هو الوفاء ظل وسيظل من أجمل الصفات التي قد تجعلنا نحس بالأمان إن نحن عشناه.
قاصة مغربية