بدعوة من أحد الأصدقاء، زرت مدينة العريش، منذ أسابيع قليلة، لقضاء يوم في مزرعته بها، تلك المدينة الغالية، التي لم أزرها، مع الأسف، منذ ما يزيد عن عشرون عاماً، رغم أنها كانت أول مقرات خدمتي بالقوات المسلحة، إذ عُينت في إحدى الوحدات بها. تميزت العريش بجمال شاطئها على البحر المتوسط، وزينتها أشجار النخيل، رغم أنها لم تكن تحوي، حينها، إلا دار سينما واحدة، ومطعم واحد، ومدرسة واحدة لكل الفئات العمرية، ومستشفى عام واحد، وسوق بسيط ملئ بأجود أنواع الفاكهة؛ من الخوخ والتين والبطيخ والشمام الصحراوي، وكباقي أهل سيناء، يتسم أهلها بالطباع البدوية المميزة.
وتلبية لدعوة صديقي، تحركت، في الصباح الباكر، إلى الإسماعيلية، على الطريق الصحراوي الذي يربطها بالقاهرة، فشعرت وكأنني أسير على أحد طرق أوروبا السريعة، حتى وصلت إلى نفق تحيا مصر، الذي يمر أسفل قناة السويس، للعبور إلى سيناء. ورغم أنني اطلعت على مشاهد مصورة كثيرة عن تلك الأنفاق الثلاثة، التي تم إقامتها في مدن السويس، والإسماعيلية، وبورسعيد، إلا أن تجربة المرور منها، تُشعرك بالفخر لانتمائك لهذا البلد العظيم، عندما تشهد أهمية وعظمة تلك المشروعات العملاقة، التي تم تنفيذها بأيادٍ مصرية، سواء من حيث التصميم الهندسي أو التنفيذ المنضبط، أو المهمة الحيوية، والأداء الدقيق.
لقد يسرت تلك الأنفاق عملية العبور بين ضفتي القناة، واختصرت زمن الوصول إلى سيناء إلى 20 دقيقة، في عملية تتم بسرعة ودقة متناهية، بما في ذلك عمليات التفتيش الإلكتروني، التي تستغرق دقائق معدودة، باستخدام أحدث أجهزة المسح الضوئي، فهناك المئات من العربات والشاحنات التي تعبر الأنفاق، يومياً، إلى سيناء، حاملة معها أطنان من مطالب تطوير سيناء الحبيبة، لتصلها بعد دقائق محدودة، بعدما كانت تلك الرحلة تستغرق، في الماضي، أكثر من ساعتين للأفراد، وما قد يصل إل 24 ساعة كاملة للشاحنات، من خلال المعديات أو عبور كباري البراطيم، التي يتنظر كل دوره فيها.
وما أن عبرت النفق، حتى استكملت رحلتي لسيناء عبر الطريق الساحلي، الرائع، الممتد من الإسماعلية إلى العريش ورفح، وعلى أجنابه مزارع الزيتون، التي تنتج أنقى، وأجود، أنواع زيت الزيتون، في البحر المتوسط، الذي يتفوق على مثيله اليوناني والإسباني، رغم شهرتهما العالمية. ولمحت، على البعد مدينة، بورسعيد الجديدة، ورأيت المبان المبهرة لجامعة القناة. فتذكرت أيام خدمتي بالعريش، لما كنا نركب القطار من القنطرة إلى العريش، عبر كوبري الفردان، وهو الوحيد الموجود، حينها، لربط سيناء بالدلتا، أننا لم نكن نرى حولنا إلا الصحراء، وعدد من الأهالي يرعون إبلهم وأغنامهم، أما الآن، فالوضع تغير، تماماً، وصرت ترى التجمعات العمرانية الجديدة، على طول الطريق، تتوسطها معاصر الزيتون، وحتى المدرسة اليابانية الجديدة، رأيتها على الطريق الرئيسي.
ووصلت للعريش، فرأيتها جميلة، ومشرقة، ومظاهر تطويرها لا تخفى على أحد، وكان لابد أن أمر على الصديق العزيز، اللواء محمد شوشة، محافظ شمال سيناء، الذي أسعدني بخبر تغطية شبكة الصرف الصحي وشبكة الغاز الطبيعي للعريش، بأكملها، لأول مرة، وأنه من المتوقع مد تلك الشبكات لباقي مدن المحافظة، مثل رفح والشيخ زويد، خلال العام الجاري، بإذن الله. كما أطلعني سيادته على أعمال التطوير التي يشهدها مطار العريش الجديد، ومطار البردويل، فضلاً عن ميناء العريش البحري، المتوقع الانتهاء منها في العام الجاري، ليتحول الميناء إلى أحد أهم الموانئ المحورية على البحر المتوسط، بما يخدم أهالي سيناء، ضمن توجيهات الرئيس السيسي بالعمل على رفع مستوى معيشتهم، من خلال تنمية سيناء، فمنه يتم، حالياً، تصدير كل إنتاج الأسماك من بحيرة البردويل، إلى أوروبا، بعدما تم تطهير وتطوير البحيرة، وأصبحت من أحسن خمس بحيرات في العالم. كما تم حفر آبار المياه، وإقامة التجمعات العمرانية حولها، ليشعر أهالي المحافظة بالاستقرار، وأقيمت ثلاث مصانع للأسمنت، ومثلها لتصنيع الرخام، الذي يتفوق في جودته على الرخام الإيطالي، وذلك لتوفير فرص العمل اللائقة لأبناء المحافظة.
كما شهدت مزارع الفاكهة السيناوي تطويراً حقيقياً، بزراعة 400 ألف فدان من مياه التنقية الثلاثية من المحطة، وهو ما لمسته في زيارة مزرعة صديقي، إذا تذوقت أجود إنتاج من الزيتون، والخوخ، والتين، الذي أصبح يصدر منه بكميات كبيرة إلى أوروبا. ولما حان موعد الغذاء، استمتعنا بألذ وأجمل وجبة سمك بوري طازج، تم اصطياده في لحظتها، وشواءه بالردة، على رمال الشاطئ العريش، أحد أجمل شواطئ الدنيا، على البحر المتوسط، الذي أحزنني بشدة إزالة العديد من أشجار النخيل منه، ولكن سعدت بما يشهده من تنمية عمرانية وسياحية.
وعدت إلى القاهرة، في مساء ذات اليوم، نظراً لسهولة الطريق وأمنه، تملأني السعادة بما لمسته من التطوير الذي تشهده محافظة شمال سيناء، ولا ينقصه إلا تكاتف الجهود للدعاية الداخلية والخارجية، عن العريش كوجهة سياحية فريدة، عامرة بالقرى السياحية المتميزة، في تلك البقعة على ساحل المتوسط، التي حباها الله بروعة الطقس، وجمال مياه البحر، ونقاء الجو بعيداً عن التلوث والضوضاء … والحقيقة أنني، منذ تلك الزيارة، لم أتوقف عن ترديد يجعلك عمار يا أرض الفيروز الجميلة … يا قطعة غالية من أرض مصر.