شهادة مصطفى عبدالله حول محمد إبراهيم أبو سنة …
<إذا كانت وصية الشاعر الراحل ألا يُقام له سرادق عزاء تخفيفًا منه على محبيه، فإن هذا يحتم علينا أن نقدم شهاداتنا حوله..>
إذا كانت وصية الشاعر الكبير الراحل ألا يُقام له سرادق عزاء تخفيفًا منه على محبيه في كل مكان من معاناة الوصول للسرادق أو لدار المناسبات، فإن هذا يحتم علينا أن نقدم شهاداتنا حوله؛ إنسانًا ومبدعًا ونحن نترحَّم عليه وندعو له بالمغفرة.
لقد أمتعنا الإذاعي الشاعر هشام محمود، قبل عدة أعوام، بتقديم احتفالية تكريم الشاعر الكبير الراحل محمد إبراهيم أبو سنة، التي تعاونت في عقدها هيئة قصور الثقافة في عهد رئاسة الدكتور أحمد مجاهد مجلس إدارتها، وإذاعة البرنامج الثقافي، وافتتحها الشاعر الراحل محمد أبو المجد، نائيًا عن رئيس الهيئة، ومحمد إسماعيل، مدير عام إذاعة البرنامج الثقافي، آنذاك، بحضور نخبة من الإذاعيين والمبدعين والنقاد المهتمين بـ “أبو سنة”، ومنجزه الإبداعي؛ شعرًا ومسرحًا ودراسات أدبية وبرامج إذاعية خالدة.
فقد أضفت شاعرية هشام محمود واتساع ثقافته وبراعته في قراءة النصوص وتحليلها قيمة إلى المناسبة التي لم تتكرر على امتداد رحلة الشاعر الراحل محمد إبراهيم أبو سنة التي بدأت في عام في عام 1960 قبل تخرجه في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، واستمرت حتى رحيله عنا اليوم الأحد 10 نوفمبر 2024 في الجيزة حيث عاش أغلب سني عمره، باستثناء الشهور التي عاشها في “الدوادمي” مرافقًا لزوجته الدكتورة زينب أبو سنة عندما أعيرت للتدريس في المملكة العربية السعودية.
أعود إلى الكلمات التي ألقاها محمد أبو المجد ومحمد إسماعيل في نلك الاحتفالية التي شهدتها عمارات العرائس بالمنيرة، فقد غلب عليها وفاء زملاء أبو سنة من كبار مذيعي إذاعة البرنامج الثقافي ومقدمي برامجه مفعمة بحب الشاعر الكبير المحتفى به، هذا فضلًا عن البوح الجميل الذي بسط من خلاله شاعرنا الكبير الراحل محطات رحلته الشعرية منذ ولد في قرية “الودي” بمركز الصف بمحافظة الجيزة، ثم قدمه صديق عمره وتوأمه فاروق شوشة عبر أثير “إذاعة البرنامج الثاني” بالإذاعة المصرية وهو بعد طالب بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، ثم عَمّده شيخ النقاد مصطفى عبداللطيف السحرتي، رئيس رابطة الأدب الحديث، شاعرًا في الستينات من القرن الماضي، قبل أن ينتبه إليه أو يكتب عنه لويس عوض أو صلاح عبد الصبور على صفحات “الأهرام”.
وعندما دعيت لتقديم شهادتي في تلك المناسبة استعدت كثيرًا من ذكريات رحلتي مع صديقي الأعز محمد إبراهيم أبو سنة، وتحدثت عن ترحالي معه في العديد من المدن والثغور والبلدان، متابعًا منجزه الشعري لنحو أربعين عامًا.
وتوقفت أمام حصوله، هو والشاعر الراحل كمال عمار، في عام واحد، على جائزة الدولة التشجيعية، وكيف كلفني الفنان التشكيلي عبدالرحمن نور الدين، مدير عام ثقافة الإسماعيلية، ورئيس إقليم القناة وسيناء بعد ذلك، أن أدعو الشاعرين أبو سنة، وكمال عمار لتكريمهما معًا بقصر ثقافة الإسماعيلية، وكيف أن كمال عمار تخلف في اللحظة الأخيرة، فأحيا أبو سنة الأمسية بمفرده.
وتطرقت إلى “البحر موعدنا” أقرب دواوين أبو سنة إلى قلبي، وهو الذي حاز عنه جائزة الدولة التشجيعية، واعتبرت القصيدة التي تحمل عنوان الديوان أيقونة شعره.
وأشرت إلى تكريم آخر دُعي إليه بعد حصوله على جائزة سلطان العويس في عام 2014.
وكان هذا التكريم هنا في القاهرة في بناية أنيقة مطلة على النيل بضاحية المعادي؛ فقد اتصلت بي، ذات يوم، شخصية أكاديمية كويتية بارزة وسألتني: هل تعرف الشاعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة؟
فأجبتها: نعم.. إنه صديقي.
فأفصحت لي عن نيتها دعوته إلى مأدبة عشاء في شقتها القاهرية بمناسبة حصوله على جائزة سلطان العويس، وتبين لي، في نهاية المكالمة، أن تلك الشخصية التي لم تلتق الشاعر قط، هي التي رَجَّحت كفة فوزه بتلك الجائزة الضخمة بعد أن فُتِنَت بشعره.
وعلى الفور كلّمته، فرحب بالدعوة، واتفقا على اللقاء في الموعد، وتولت هي دعوة وجوه الحياة الثقافية والأكاديمية بل والدبلوماسية في القاهرة، إلا أن الشاعر الكبير لم يحضر!
فقد كان على موعد مع طبيبه، ومن ثم لم تنجح أية محاولة من جانبها لإثنائه عن ذلك، أو حضور الحفل المقام من أجله بعد انتهائه من زيارة الطبيب.
ويطلب مني أبو سنة، بعد استعادتي لهذه الذكريات، أن أعتذر من جديد، نيابة عنه عما حدث موضحًا للحضور أن ظروفه الصحية، يومئذ، هي التي كانت السبب في تخلفه عن ليلة تكريمه.
ولكي أخرج من تلك الأجواء، رُحتُ أتحدث عن تجربة “أبو سنة” مع المسرحية الشعرية؛ واستدعيت: “حصار القلعة”، و”حمزة العرب”، طارحًا السؤال المحير: لماذا لم يقترب معظم شعرائنا، في مصر، من شاطئ المسرح الشعري باستثناء: أمير الشعراء أحمد شوقي وعزيز أباظة، ومن بعدهما المجددون: عبدالرحمن الشرقاوي، وصلاح عبدالصبور، ومحمد مهران السيد، وفاروق جويدة، ووفاء وجدي، ونجيب سرور، الذي كتب مسرحه الشعري بالعامية.
وكان من بين النقاد الذين ضمتهم هذه الاحتفالية: الدكتور جمال العسكري فتحدث عن براعة “أبو سنة” في تشكيل الصورة، والشاعرة شيرين العدوي التي تطرقت لدور “أبو سنة” في تعهد المواهب الشعرية الغضة ورعايتها ومتابعتها في برامجه الإذاعية البديعة وأشهرها “حدائق الأوراق”، وبدوره توقف الشاعر الكبير عمارة إبراهيم أمام هذا المنحى المهم المتعلق بقدرة “أبو سنة” على اكتشاف الموهبة الشعرية وتشجيعها.
أما المطرب الأصيل الدكتور أحمد إبراهيم “المايسترو كما أناديه دائمًا” فتحدث عن ذكرياته مع غناء رباعيات “أبو سنة”، بل وقام بغنائها، وهي التي مطلعها:
“قلبي يرفرف في غمامة.. قمر ينوح على حمامة”.
وتنتهي الاحتفالية بتوقيع الشاعر على أحدث طبعة من أعماله الكاملة التي تعهدها بمحبة بالغة الشاعر الراحل أيضًا محمد أبو المجد وصدرت عن هيئة قصور الثقافة.
ويجب أن أعترف بأن هذه العلاقة بالغة الأهمية التي ربطتني بالشاعر الكبير الراحل تأثرت بعض الشيء خلال السنوات الأخيرة بعدما أصابتني به جائحة الكورونا من مشكلات صحية مزمنة وما ألم بصديقي من مرض إلا أن هذا لم يكن يمنع من أن نتهاتف بين الفينة والأخرى ليبث لي كعادته ما يقلقه في الدنيا من حوله.
والحقيقة إن محمد إبر اهيم أبوسنة على الرغم من الأكروحات الجامعية التي نوقشت حول منجزه الشعري وأولها رسالة الدكتور شكري الطوانسي، فإن مشروعه الشعري لا يزال بحاجة إلى من يقترب منه على مهل.
.
.
.
- كاتب المقال: الأستاذ / مصطفى محمد عبد الله إبراهيم
هو كاتب وناقد أدبي، ورئيس تحرير أسبق بمؤسسة “أخبار اليوم” له العديد من المؤلفات المنشورة في كُبرى دور النشر المصرية والعربية، ونشر أكثر من خمسة آلاف مقال في حوليات وفاعليات ومجلات ثقافية شهيرة في مصر وخارجها. وصاحب أعمدة ومقالات ثابتة في العديد من الصحف والمجلات الكبرى.
وكان مستشارًا لرئيس هيئة قصور الثقافة. وهو عضو اللجان الاستشارية بمكتبة الإسكندرية، وبالمركز القومي للترجمة، وكان يعمل سابقًا رئيس تحرير جريدة “أخبار الأدب“.
وهو يعمل الآن كاتبًا صحفيًّا بمؤسسة أخبار اليوم.