[صورة وذكري] : رحلة إلي زمان الطيبانى !
حمدي حمادة – يكتب
– هذه الصوره تذكرنى بزمن جميل فى الستينيات وتحديدا فى عام ١٩٦٥ ..
– ومع أننى لم أمارس الفلاحة رغم إمتلاك عائلتى لأرض زراعية بعزبة الطيبانى وهو الجد الأكبر لأمى والتابعه لقريه سيدى معروف الشهيره بإسم سنديون مركز فوه محافظه كفر الشيخ ..
– إلا أننى مشيت على خطوط زراعه القطن ومنحنيا ولم أكن مرتديا الجلابيه لكى أعمل بها عبا وأربط وسطى بحبل لتكون كالحصاله لورق القطن المصاب بلطع القطن حتى لا يفقس هذا البيض فتخرج اليرقات وتلتهم لوز ورق القطن الأخضر فلا تكون هناك اللوزه المحشوه بالقطن !
– والحكايه ومافيها أننا رغبنا أنا ونحن الصغار من التلاميذ أن لنشارك فى فى جمع اللطع من غيطان القطن ..
– وذهبنا لمقر الجمعيه الزراعيه لنسجل أسماءنا ولنكون من ضمن فرق النقاوه للطع القطن ..
– وفعلا إنضممنا لإحدى الفرق وتفهمنا الإرشادات بأن نحضر فى الصباح المبكر ونضع على رأسنا منديل أبيض أو طاقيه للحمايه من الشمس وإحضار طعام الغذاء لتناوله وقت الراحه فى منتصف الظهيره حيث الجلوس تحت ظل الشجر الطارح بأغصانه على رأس الغيطان المزروعه بالقطن ..
– وفى الصباح الباكر إلتزمنا بالميعاد ومشينا جماعات وبنات وصبيان ..
– وترجلنا على طريق ترابى ولمسافه لا تقل عن ٢ كيلو متر فى طريق ترعه الباجوريه فى إتجاه عزبه لمعى وعزبه رستم التابعه لمركز أشمون منوفيه ..
– ووصلنا لموقع بدء النزول لزراعات القطن وكان إرتفاع عيدان القطن الخضراء يقارب من المتر وكل صبى يقف على خط وتم رصنا وكأننا مجموعه من عصى الخيرزان مرشوقه عند نقطه البدايه ..
– وسمعنا صفاره “الخولى” لبدء إنتزاع ورق القطن المصاب بلطع بيض اليرقات وقبل أن يفقص وهى كرشه دقيق طفيفه على سطح الورقه الخضراء لنبات القطن ولابد من نزع الورقه المصابه ووضعها فى العب !
– وكان لابد من الإنحناء لتمسك وتقلب شجيره القطن المتدليه منها الأوراق الخضراء فتلمح بنظرك الثاقب بويضات دوده القطن التى وضعتها خلف مسطح الورقه لتكون فى الظل وبعيده عن ضوء الشمس حتى لا تحترق !
– وسبحان الله الذى جعل من دوده القطن الزاحفه على الأغصان أن تدرك بأنه لابد من أن يكون بيضها فى سلام وبعيدا عن هلاك أشعه الشمس الساخنه ..
– فطره حتى فى مخلوقات الله التى أوجدها على أرض هذا الكون ..
– ما علينا ولكن لم يكن لدينا العب كمن يشاركونا ممن يرتدون الجلاليب فقد كنا نرتدى البيجامات ولذلك كنا نتوشح بأكياس قماشيه مدلدله على صدورنا وهى ليست كبيره كأكياس القطن الكبيره ولكن كانت الأكياس القماشيه كالشنطه المدرسيه ومن قماش تيل ناديه أو الدمور ..
وعندما نكتشف الورقه المصابه باللطع البيضاء وكانت كذرات الدقيق الأبيض نصيح بأعلى الصوت بكلمه :
“حموى” لتنبيه “الخولى” القابض بيده والماسك بالخيرزانه لزوم لسوعه من يتباطأ أو يتكاسل !
– فكان الكل يعمل بنشاط وهمه وبحماس وكأنه فى سباق والشاطر اللى يجمع أكتر من الورق المصاب ويستمر مجهود العمل الدؤوب ما يقرب من ال الخمس ساعات وكان من يشعر بالعطش يستأذن “الخولى” ليترجل على خطوط زراعه القطن ويذهب لرأس الحقل حيث الزلعه المملوءه بماء الطلمبه والرابضه تحت الشجره وعلى فوهتها كوز صفيح أو ألمنيوم لتصب فيه الماء الذى يروى جوفك من العطش ..
– وأثناء الراحه نجلس ونبرش على الأرض ويفتح كل واحد ربطته القماش التى تحوى الطعام ..
– جبنه قريش أو جبنه حدقه أومخلل أو فجل أو جرجير أوبيض مسلوق ..
– وتتناول بالهنا والشفا ثم تستلقى على ظهرك ..
– طبعا ليس على مرتبه أو حصيره فتنام على الأرض ولفتره وترتاح الى أن تحين ساعه العصارى وتعاود جمع لطع القطن من تانى الى أن تحين وتقبل ساعه الغروب وتبدأ العوده وأنت مهدود الحيل والى أن تصل الى بيتك ..
– طبعا بترجع مفرهض وعرقان والشمس لسعاك وقفاك مقمر عيش وحالك حال !
– ولابد من الإستحمام تحت الدش فينزل رذاذ الماء على جسدك فيرطبه ويزيل وجعك ..
– وطبعا بترجع هفتان من الجوع وتاكل وتنااام !
– ويتكرر المشهد يوميا والذى إستمر معى لمده أسبوع وكان الأجر ٧٠ قرش حته واحده وهو مبلغ كبير بالنسبه لنا والقرش صاغ كان له قيمه ..
– كانت أيام جميله ومنذ ٥٨ سنه !
كاتب المقال: حمدي حمادة
الكاتب الصحفي بجريدة الوفد