صلاح سلام

طلعة رجب

د.صلاح سلام يكتب

كانت المواس في بلدتنا تعني طلعة رجب والنص من شعبان وعاشوراء والمولد النبوي والغدوة الطويلة وكلها مرتبطة بالولائم ففي طلعة رجب وليس عمرة رجب التي استحدثت بعد الغزو الوهابي واستغلها بعض تجار السياحة باسم الدين واضافوا مسميات جديدة مثل عمرة المولد وعمرة شعبان ثم عمرة رمضان حتى اصبح المصري هو الزبون الاول في السياحة السعودية…كانت الامور ابسط من ذلك ..طقوس بسيطة لايعتريها نفاق ولارياء ..في طلعة رجب لابد للرجل من زيارة اخوته البنات او بناته المتزوجات محملا بما لذ وطاب..وفي ليلة النص من شعبان تصعد الحاجة وهيبة “ياسمين” امي السلم الخشبي التي كانت تضعه على الحائط الفاصل بيننا وبين الجيران وتطل على ام عصام زوجة مصطفى الصالحي وهم اسرة فلسطينية هجرت في حرب ١٩٤٨ ويستأجرون احد البيوت التي نملكها ..سامحينا يا ام عصام الليلة ليلة السماح..وهكذا تفعل كل بيوت المدينة الصغيرة “العريش” ..وذكرى عاشوراء تعني بالنسبة لنا الصيام ولامانع من التحلية بطبق البليلة باللبن او طبق العاشوراء والمولد لم يكون طقوسا احتفالية بقدر ماهو زيارة للارحام تحمل ماتيسر… اما عروسة المولد فقد كانت تزين محل ابو الشام الحلواني الاشهر الذي كان تقريبا الوحيد الذي يبيع اصناف الحلوى الشرقية والشامية في مدينتنا البعيدة عن كل مظاهر الحضارة…وعندما يهل علينا شهر رمضان ويصبح من المؤكد ان غدا غرته تكون الغدوة الطويلة وهو تعبير مجازي عن الاكل حتى الشبع او مابعد الشبع فغدا صيام…والصيام معناه التفاف العائلة على مائدة واحدة يوميا حتى المتزوجون ويعيشون في بيوت منفصلة فلهذا الشهر قدسيته تجتمع فيه الاسرة الكبيرة على مائدة واحدة للافطار والجلوس حتى صلاة التراويح ثم يذهب كل الى بيته بعد تناول الكنافة والقطايف ليعود في اليوم التالي لتدشين يوم جديد في البيت الكبير حتى اخر الشهر والذي تكتمل ليالية الاخيرة بنفس اللمة لتصنع الوان الكعك واشكال البسكويت حتى صباح العيد…كل هذه المواسم كانت روافدا لنهر كبير تنصهر في بوتقته كل المشاعر الانسانية من التواد والتراحم والوصل وبرغم بساطة الحياة وضعف الموارد وربما الفقر الذي كانت تقف معظم الاسر على حافته الا ان حلقات الاتصال التي تفرضها العادات والتقاليد كانت تخفف حدة جفاف الايام وطول الليالي..ولابد ان اسجل اننا لم نكن نسمع بان فلان قد سافر عمرة فلم تكن هذه الثقافة سائدة..ولكننا كنا نسمع دق الدفوف بأن فلان سوف يسافر لاداء فريصة الحج قبل الزمان بزمان حيث تقام طقوس خاصةقبل السفر وفي وداع الحاج واخرى في استقباله فالخروج كما لو كان طلعة المحمل الى ارض الحجاز المباركة… والعودة ترفع لها الرايات البيضاء وترفع الزينات وتنحر الذبائح وتقام الولائم ويخلع العامة على صاحب الدار لقب “الحاج” والذي كان في وقتها شرف لايدانيه شرف…واقول في وقتها لانني ارى واعتقد ان الكثير يشاركني الرأي بأن الامر لم يعد اداء فريضة وانما مجرد وجاهة اجتماعية او اشياء اخرى خفية … ولابد لي في نهاية حديثي ان استعير كلمات الراحل العبقري سيد حجاب…ليه يازمان مسيبتناش ابرياء..وواخدنا ليه في طريق ممنوش رجوع..اقصى همومنا يفجر السخرية.. واحلى ضحكة تتوه في بحر الدموع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى