طه العبد يكتب..قصيدة الانقسام(الشرخ الفلسطيني)
سَئِمْتُ مِنَ العِتَابِ منَ المَلاَمِ
سَئِمْتُ مِنَ السِيَاسَةِ فِي الكَلاَمِ
ومِنْ شَجَنٍ غَريْبٍ يَعْتَـرينِي
ويُغـرِقُنِي بفَلسَفَةٍ هُلامِ
أُحَاولُ أنْ أعَلِّقَهَا عُقودًا
(فتزْمُــطُ) بَينَ أفخَاخِ الحِمَامِ
أنَا شَعْبٌ تَرَنَّحَ فِي قُيُودٍ
وبِيعَتْ أَرْضُهُ تَحْتَ الحِرَامِ
وبَاتَتْ تَعْصِرُ المُرَّارَ أُمٌّ
وَتَسقِيهِ لأَعْمِدَةِ اَلخِيَامِ
وتَجرَعُ حُزنَهَا وَيلاً فَويْلاً
وتُخفِي ضَعْفَها خَلْفَ اللّثَامِ
وتُرْضِعُ إبنَها صَبْرًا طَويلاً
وَحَقًا بالرُّجُوعِ وبالسَّلاَمِ
وَتَزْرَعُ فِيهِ أَظفَارًا حِدَادًا
مُهيَّأةً لأَبنَاءِ الحَرَامِ
بلادُكَ جَنَّةٌ في الأَرضِ كَانَتْ
ومَهدًا للكَرَامَةِ والكِرَامِ
فلا ترْحَل، ولا تَهْجُرْ قِبابًا
أقيمَتْ بالضُّلوعِ وبالرُّخَامِ
أنا القُدسُ اليتِيمَةُ في قُيودٍ
مآذِنُها على عُنُقِ الغَمَامِ
أنا حَيفَا العَظِيمَةُ، هَلْ تَرَانِي؟
أُقطَّعُ بالنِّصَالِ وبالسِّهَامِ
أنَا عَكَّا أنَا سُورٌ قدِيمٌ
قِلاعٌ لا تَعِيْشُ مَعَ الحُطَامِ
أنَا دَنِفٌ بِحُبِّكِ يا بِلادِي
قَتِيلُكِ فِي السُّجُودِ وفِي القِيَامِ
تُعَلِّـِمُنِي الحَكَايَا كَيْفَ كُنْتِ
تُسوِّرُكِ العُروقُ معَ العِظَامِ
فَكنتِ مِنَ الحَنَايَا غَمْضَ عَيْنٍ
وكُنتِ من القُلوبِ إلى الصِّمَامِ
وكُنتِ كشَهْقةِ المَولودِ فِينَا
تَسُنُّ النَّصْلَ من حدٌّ الحُسَامِ
هَلُمـِّي ليسَ يَنسَى الوَعْدَ صَبٌّ
يَهزُّ الآهَ فِي جَنْحِ الظَّلاَمِ
فَنَحْوَكِ كَانَتِ الأَمجَادُ جِسْرًا
تَذودُ عَنِ المُروءَةِ والذِّمَامِ
فَكَمْ مَنْ رَاحَ يَستَجِدِي سَلامًا!
وكَمْ مَن صَارَ مَعلَكَةَ الرُّغَامِ
بِلاَدِي زَهْرَةُ النَّارِنجِ فِيها
تُؤاتِينِي كَطَيفٍ في المَنامِ
فألثُمُها وأَحْضُنُها طَويلاً
وأَسكُبُ دَمعَ عَيـنِي المُستَهَامِ
وأترُكُها تَطِـيرُ إلى فَضَاءٍ
يضوِّءُ وَجْهَها قَطْرُ الرُّهامِ
فِلسطِينُ الحَبيبَةُ ،كَمْ سَهِرْنا!
لِنَحْرُسَ مَجدَكِ حـتَّى تَنَامِي
أقَمْنا فِي المَغَاورِ، لا سراجٌ
حَفِينا فَوْقَ شَوكَاتِ الأَكَامِ
جَرَعْنا الجُوعَ صُبحًا ثمَّ لَيلاً
فَكَانَ المَوتُ في لُقَمِ الطَّعَامِ
ونَاشَدْنَا العُروبَةَ، هَلْ مُعِينٌ؟
فأَسْلَمَنَا النِّظَامُ إلى النِّظَامِ
رِفَاقٌ في النِّضَالِ قَضَينَا شَطرًا
وأَسرَى في السُّجونِ لدَى اللئَامِ
حَيَاةٌ، لا يَمَلُّ الشّعبُ مِنها
جِرَاحٌ في جِرَاحٍ في انتِقَامِ
معًا، جُعْنا عَطِشنا في المنَافي
رِفاقٌ أُخوَةٌ والبَحرُ طَامِ
فَكيفَ اليَومَ تَفرِقُنَا سُيوفٌ؟!
وَنحيَا فِي شتَاتٍ وانقِسَامِ؟
أَلَيْسَتْ هَاشِمٌ أُختًا لِحيفَا؟
وحيفا أختَ رَامَ الله التُّآم؟
أَلسنَا كُلُّنا فِي الأَرضِ شَعْبًا؟
بَنَفْسَجُ عُمْرِنا قُدْسُ السَّلامِ؟
أَتُزرَعُ هَذِهِ الأحقَادُ فِينَا
ودُمَّلُ قَيحِهَا طَاغٍ ونَامِ
وتُغرِي بَعْضَنَا فِي رَأسِ بَعضٍ
وتَغْرِسُ نَابَها حـتَّى العِظَامِ
أيَقْتُلُ بَعْضُنَا أبنَاءَ بَعضٍ؟
وَكُنَّا أُخوَةً من عَهدِ سَامِ
أيُعقلُ أنْ يَصِيرَ الحُبُّ حِقدًا
ونَجْزِي عَلَى ابتِسَامٍ بابتِسَامِ؟
وتَغْدُو غَزَّةٌ جُرحًا عَمِيقًا
وجُرحُ الضِّفَّةِ المَكنونُ دَامِ
وكُلٌّ يَسْتَبِيحُ الحَقَّ ظُلمًا
فيَشْتَدُّ الشَّتَاتُ مَعَ الخِصَامِ
كَفَانا نَمْنَحُ الأعدَاءَ لَغْمًا
فَنَزْرَعُه عَلَى جِسرِ الوِئَامِ
بَـنِي كَنعَانَ، يَا أحفَادَ نُوحٍ
سَئِمْتُ مِنَ العِتَاب مِنَ المَلامِ
قَرِفْتُ مِنَ الدِّمَاءِ تَسِيلُ فِينا
قَرِفْتُ مِنَ السِيَاسَةِ والخِصَامِ
وحَانَ الوَقْتُ كَي نَبـنِي بِلادًا
عَلَى شُرُفَاتِها ظِلُّ الغَمَامِ
فَنَحْنُ كأُخوَةٍ فِي الأَرْضِ نَمْشِي
يُعَانِقُ خَطوَنَا طَـيْرُ الحَمَامِ
سِلاحٌ وَاحِدٌ عَهْدٌ وَثِيقٌ
فِلَسْطِينُ الحَبِيبَةُ لنْ تُضَامِي