ساعدت الإصلاحات الاقتصادية في مصر على تحقيق مجموعة من النجاحات على رأسها تعزيز النمو الاقتصادي حتى في ظل الأزمات الإقتصادية، مثل ازمة جائحة كورونا، والازمة الروسية الأوكرانية، كذلك ساعدت هذه الإصلاحات على الحد من معدلات البطالك خاصه في فئة النساء والشباب ، وزيادة إحتياطي النقد الاجنبي، ووضع الدين العام على مسار تنازلى، هذه الإصلاحات التي بدأتها مصر في نوفمبر عام 2016 هدفت إلى تحقيق مجموعة من الأهداف على رأسها تحقيق نمو إقتصادي أكثر إستدامة في ضوء إستراتيجية مصر 2030 التي نسعى من خلالها إلى تحقيق الرخاء الاقتصادي، عبر التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية للوصول إلى زيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر.
كذلك تهدف الإصلاحات الإقتصادية إلى إحتواء لشرائح المجتمع بقيادة القطاع الخاص ،فقبل هذه الإصلاحات كانت السياسات الإقتصادية الكلية غير متسقة ،فحتى عام 2016 تراكمت الإختلالات الإقتصادية بصورة كبيرة منها عجز الموازنة، وعجز ميزان المدفوعات ،ووجود سياسات نقديه تيسيرية وسعر صرف ثابت مما ساهم في إنخفاض إحتياطيات النقد الأجنبي، وزياده معدلات التضخم، والدين العام بصورة غير مسبوقة، مع إنخفاض معدل النمو الإقتصادي وزياده معدلات البطالة خاصة بين النساء والشباب.
وفي ضوء حرص القيادة السياسية على مواكبة التطورات العالمية،هذا الحرص لا يقتصر فقط على بعض القطاعات مثل قطاع الطاقة والتكنولوجيا، بل إن مصر تقدم نموذجاً للإنفتاح والاستعداد للتعاون وتبادل الخبرات وتنسيق الجهود بل والشراكة في تنفيذ المشروعات التنموية على المستوى الدولي سواء كان ذلك عبر مبادرات ذاتية، أو من خلال التنسيق مع المنظمات الدولية، بما يعزز من فرص التنمية الشاملة ،لذلك كانت أولويات برنامج الإصلاح الإقتصادي التي تقوم على معالجة القضايا الإقتصادية السابقة، وإستعادة الإستقرار الإقتصادي الكلي، مع تجنب الوقوع في الأزمة مستقبلاً، فقد كان التحول لسعر الصرف المرن ،وتطبيق السياسة النقدية لفائدة مرتفعة هو ركيزة إستعادة التوازن في سوق الصرف الأجنبي ،وإنخفاض الدين العام كنسبة من إجمالي الناتج المحلى.
وفي إدراك كبير للحكومة لخطورة زيادة الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي، بعد تخفيض وكالة فيتش لتصنيف مصر درجة واحده بسبب زيادة الدين العام، لكن مصر إستطاعت ان تستعرض مجموعة من الحلول أهمها فض التشابكات المالية بين الوزارات والتي قد تصل إلى تريليون جنيه، وهو رقم يمثل ضعف العجز الكلي في الموازنة العامة للدولة، كذلك دراسة الآثر التطبيقي لقانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدمج الإقتصاد غير الرسمي بما يمثل زيادة حقيقية في معدل الضرائب ،حيث تعد قضية دمج الإقتصاد غير الرسمي أحد أبرز القضايا الإقتصادية التي تسعى الحكومة للسيطرة عليها ودمج أكبر عدد من الانشطة غير الرسمة تحت مظلة الإقتصاد الرسمي للحصول على حصيله ضريبية تصل إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وزياده الناتج المحلي الإجمالي ايضاً وفق الخطه المرسومة للوصول إلى تريليون دولار.
فحجم المشكله يكمن في ان وزن الإقتصاد غير الرسمي يتراوح بين 55% الى 60% وهي نسبة عالية من حجم الإقتصاد الرسمي لمصر ،حيث تتراوح النسبة في الدول ذات الإقتصاديات الناشئة من 25 الى 32.5% وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي شمل 158 دولة، اما تقرير منظمه العمل الدولية، فيرى ان هناك 2 مليار عامل يمثلون 60% من قوة العمل يعملون في الإقتصاد غير الرسمي.
اما تقرير مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء فيرى ان الإقتصاد غير الرسمي يستوعب 50% من قوه العمل البالغه 29.3 مليون مواطن كما ان عدد وحدات الإقتصاد غير الرسمي أكبر أربع أمثال الإقتصاد الرسمي، كذلك فإن إتجاة الدولة المصرية نحو مراجعة موقف الهيئات الإقتصادية العاملة وعددها 59 هيئة، حيث تلاحظ ان هذه الهيئات تحصل على دعم من الدولة يقدر بـ355 مليار جنية في السنة، وتحصد منها الدوله 185 مليار جنيه فقط وبالتالي كان من الأسباب الرئيسية التي سعت إليها الحكومة المصرية للبحث عن أسباب هذه الخسارة، وهل هي تعود لأسباب تمويلية، او أسباب فنية، أو اسباب إدارية وهيكلة داخل التنظيم.
كذلك فإن تطوير منظومة الضرائب هو أحد اهم الآليات التي تسعى إليها الحكومة حالياً عبر تطوير وتحديث التشريع الضريبي، او عبر تطوير أداء العاملين في مصلحة الضرائب. ومن أجل تحقيق الأهداف التي تسعى إليها الدولة بالعمل على تحقيق مسار إقتصادي آمن ومستقر، ووضع إستراتيجية تمويل متنوعة تهدف إلى تعدد الأسواق وتعدد أدوات التمويل، وجذب شرائح مختلفة من المستثمرين،كذلك ضمان تعميق الإصلاحات الإقتصادية الهيكلية لإطلاق مسار نمو مرتفع ومستدام للقطاع الخاص، ومن أجل تعظيم مساهمة هذا القطاع في الإقتصاد عبر مبادرات ومحفزات، فإن المرحلة القادمة تتطلب العمل على تحقيق أولويتين، خاصة بعد قرارات المجلس الأعلى للإستثمار برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبعد ضمانات أهمها العمل على زيادة الإحتياطيات النقدية، وتخفيض معدلات التضخم والدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، والأهم هو ضمان تزايد توجة الإقتصاد نحو السوق.
فالأولوية الأولى هي ترسيخ المكاسب التي تحققت بجهد شاق للوصول إلى إستقرار اقتصادي لاسيما بعد ان خفضت وكاله فيتش الشهر الماضي تصنيف مصر درجه واحدة من بي موجب الى بي وبعد ان خفض البنك الدولي توقعاته بشان نمو الإقتصاد المصري إلى 4% بسبب التضخم خلال العامين الماليين مقابل 4,5%،4,8%على التوالي في توقعاته السابقة، وبرغم ذلك فإن توقعات البنك الدولي تؤكد ان مصر ستقود النمو في الشرق الاوسط وافريقيا وهو ما اكدت عليه كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي امام تجمع الكوميسا بالعمل على دفع معدلات التكامل الاقتصادي الافريقي وتعزيز مستوى الرفاهية وتعزيز مقدرات السلم والامن في دول القارة الإفريقية.
ويأتي هذا بالتزامن مع توقعات وكالة بلومبرج ايكونوميكس بأن هناك مكاسب كبيرة للاقتصاد المصري بشأن الدول صاحبة التأثير في محركات النمو الاقتصادي العالمي، فكانت الصين في الصدارة مستحوذه على 22% من التأثير في محركات نمو الإقتصاد العالمي ثم الهند 12.9% فالولايات المتحده الامريكية 11.3% ثم تأتي البرازيل ومصر في المرتبة الثامنه بنسبة 1.7% قبل بريطانيا وفرنسا وفيتنام وروسيا وبالتالي فإن التوقعات كلها تصب في صالح ضرورة الإستمرار في تحقيق هذه المكاسب عبر ترسيخها خاصة وان هناك مؤشرات إيجابية خلال الربع الاول من عام 2023 ظهرت في زيادة حجم التدفقات الإستثمارية الاجنبية المباشرة بنسبه 38% وزياة حجم إيرادات قناة السويس بنسبه 35% وتحقيق فائض آولي لأول مرة منذ 21 عاما بنسبة 1,3% مع زيادة إيرادات الضرائب بنسبة 18.9%،اما الأولوية الثانية والتي تهتم بها القيادة السياسية فهي العمل على تعجيل تنفيذ الإصلاحات الإقتصادية لإطلاق إمكانيات الإقتصاد المصري وجعل القطاع الخاص قاطرة للنمو الإقتصادي لسد إحتياجات الدوله وتوفير 700 الف فرصة عمل سنوياً لكي تستوعب الزيادة السكانية الكبيرة في مصر والتى تزيد عن 2 مليون نسمة في العام.
هذه الاولوية ترتكز على ضروره الحفاظ على وجود بنية تحتية قوية وعصرية وحديثة ،مع رفع قدرات المهارات البشرية وتمكينها فى الدخول الى الثورة الصناعية الخامسة ،وتعزيز الصناعة والصناعات التحويلية تحديدا خاصة في ظل مؤشرات خارجية تدفع بعض التفاؤل أهمها تباطؤ وتيرة التضخم وتراجع الاسعار عالمياً، لذا يجب على الاقتصاد المصري التحرك بشكل أسرع لاطلاق إمكانيات الإقتصاد المصري ،وتعميق الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية.