إستطاعت قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد التي عقدت بالعاصمة الفرنسية باريس أواخر الأسبوع الماضي، أن تعكس تطلعات الدول ذات الإقتصاديات الناشئة ومنها الدولة المصرية بشأن كافة القضايا الإقليمية والدولية سواء على الصعيد السياسي متمثلاً في عملية إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط وهو الملف الشائك منذ عقود طويلة، حيث لم يجد النية الصادقة لطرح سلمي تعبر به منطقة الشرق الأوسط الى شط السلام،مع تناول للملف السوداني وأزمته الراهنة التي تعكس بوضوح ما يحاك بالدولة المصرية من تهديدات لإبعاد النواة وهي الثقل المصري عن محيطها العربي والإفريقي والشرق اوسطى.
اما على الصعيد الإقتصادي فإن هذه القمه تاتي بالتواكب مع إستمرار الأزمة الروسية الاوكرانية وتطور الوضع خاصة في روسيا بعد تمرد حركة فاجنر داخل المعسكر الروسي، حتى وإن بدت على الساحة محاولة لإحتواء هذا التمرد من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ،لكن تبقى هذه العمليه سببا في زيادة أوجاع وجراح الأسد الجريح بوتين. فمشاركة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذه القمة تعكس مدى إصرار القيادة السياسية على إبراز الملف الإقتصادي بإعتباره القاطرة الحقيقية لقوة الدولة الشاملة، فهذه القمة تعقد في ظل ما يواجهه العالم من تحديات وأزمات نادراً ما تتواجد معا في أي أزمة ،فمع إفتراض ثبات وحدة النقد، أي عدم الإعتراف بالتضخم وإرتفاع الأسعار، فان الحرب العالمية الأولى 1914 إلى 1918 كلفت العالم نحو 3 تريليون دولار ،ثم أزمة الثلاثاء الأسود عام 1929 التى كلفت العالم نحو 4 تريليون دولار، فالحرب العالمية الثانية التي إنتهت عام 1945 كلفت العالم نحو 5 تريليون دولار ،فالحرب الباردة التي بدات من عام 1946 حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي فقد كلفت العالم نحو 10 تريليون دولار، وأخيراً فإن الأزمة الروسية الأوكرانية التي بدات في فبراير من العام الماضي فقد كلفت العالم حتى الآن أكثر من ثلاثة تريليون دولار وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي.
ومتوقع في ظل هذا التصاعد أن تتعدى حاجز العشرة تريليون دولار بعد عام على الأكثر، لتكون هي صاحبة أكبر تكلفة تحملها العالم منذ التاريخ حتى الآن ،إستنادا إلى أن هذه الأزمة قد خرجت من طياتها خمس أزمات متعاقبة، الأزمة الخاصة بإرتفاع معدلات التضخم عالمياً، وعدم القدرة على قياس درجة عدم اليقين، كذلك أزمة الطاقة العالمية خاصه ما يتعلق بالغاز الطبيعي الذي تسيطر عليه روسيا بنسبة 25% من الصادرات العالمية و 12% من النفط، كذلك أزمة تقلص سلاسل التوريد العالمية نتيجة لأن روسيا وأوكرانيا نصيبهما من مجمل الصادرات العالمية من محصول القمح ما لا يقل عن 30% ،ثم أزمة التغير المناخي التي صاحبها وجود أضرار جسيمة لكوكب الارض تتطلب ضروره المساندة الدولية لإنقاذ هذا الكوكب من مستقبل كارثى.
وتبقى القضية الأخيرة وهي قضية أزمة الديون التي إرتبطت كثيراً بالإقتصاديات الناشئة التي تأثرت من إرتفاع أسعار الفائدة عالمياً، ومعدلات التضخم غير المسبوقة، مما إنعكس على زيادة عبء هذه الديون في موازناتها العامة، حتى وإن الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر اقتصاد عالمي لم تسلم من هذه المعضلة ، حيث تعاني من أزمة ديون غير مسبوقة وصلت إلى 31.4 تريليون دولار، وبالتالي فإن المشاركة الفاعلة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد، قد مهدت الأرض للمساعدة فى الوصول إلى آليات يمكن من خلالها مساعدة الإقتصاديات الناشئة، ودعم الدول التي عانت من جائحة كورونا وقضية التمويل المناخي، وبحث سبل توفير الأموال اللازمة لمواجهتها، حيث مثلت أهم طروحات القمة الفرنسية، والتي لاقت تأييداً واسعا ،خرج منها أهمية دعم ومساندة القطاع الخاص ليشارك في عملية التمويل، والتوجه نحو الإستثمار في المشروعات صديقة البيئة لحل مشكلة التغير المناخي، وبالتالي فإن الميثاق الجديد لعالم على نحو أفضل قد إرتكز على مجموعة من الأهداف العالمية تسعى معها إلى توفير التمويل اللازم لتعبئة الموارد ورفع كفاءة الإنفاق من أجل الإرتقاء بجودة حياة الإنسان وتحسين مستوى معيشته، كذلك السعي نحو تعميق التقدم التكنولوجي والإبتكاري لتحقيق وضع أفضل لمبدأ العدالة الإجتماعية والمساواة لضمان تحقيق العدالة والإتاحة، مع توفير نظام بيئي متكامل ومستدام تستطيع به دول العالم تعزيز المرونة والقدرة على التكيف خاصه في المجال الإقتصادي والبيئي، مع ضمان السعي نحو إيجاد ميثاق جديد يقوم على خلق بيئة إقتصادية متنوعة تقوم على زيادة حصيلة المعرفة والتنافس الحيادي من أجل ضمان تحقيق الإستدامة.