عمرو الدمرداش يكتب....عناق الكفوف
كان صغيراً وكانت صغيرة
عندما شاهدها لأول مرة ظن كثيراً أنها جارته، جذبه هذا الشعر الأحمر الطويل الذي يتعدى خصرها بمسافة وبياض بشرتها الذي يتخلله النمش وإبتسامة عيناها والبريق الذي يلمع فيها كالذهب كلما نظرت إليه وقوامها الذي يميل إلى النحافة بإعتدال.
كانت تشبه أميرات قصص المكتبة الخضراء
كان يتعمد كثيراً قبل أن يتعرف عليها ألا يشعرها أنه ينظر إليها خلسه، كثيراً ما قام بمراقبتها من خلف الزجاج، وهو يراها ولا تراه، أو من خلف نظارته الشمسية التى لا تسمح لأحد أن يعرف إلى ماذا ينظر، أو في إنعكاس الزجاج في ضوء الشمس في المكان الذي كانوا يتجمعون فيه هم وزملائهم وكان يشعر بالسعادة وهو يراها تختلس النظر إليه من ظهره وهى لا تظن أنه يراها .
كان ماكراً وماهراً في أداء دور الطاووس .
وقفت وسط زميلاتها ومعهم صديقه فنادى عليه صديقه بان يأتي ، ناده بإسمه، فخرق سمعه صوت وهو يردد إسمه قائلة أهذا أسمه .أهذا أسمه ، فنظر إليهم من خلف نظارته الشمسية فوجد هى من تتحدث
فأشار الى صديقه أن يأتي هو إليه ، فشاهد خيبة الأمل على وجهها .
وفى اليوم التالي خرج من الباب فوجدهم يقفون كما كانوا أمس، عرضوا عليه أن يتمشى معهم إلى المكان الذى يستقلون منه الباص ..
لا يعلم ماذا حدث هل قام الجميع بالإسراع في السير تاركينه هو وهى يسيران جنباً إلى جنب فى هدوء وكأن كل منهم يسير بمفرده .
نظرا إلى بعضهم وإبتساما متسألين لماذ يسرعون في السير، وجدا الحديث ينساب بينهم بسهولة .
تعرف عليها وتعارفت عليه ..زادا فى التباطئ في الخطوات، حتى أصبح زملائهم يحثونهم على السير قال لها أنا أعرفك هل تسكنين في منطقة كذا؟، أجابته بالنفي، وأصر هو أنها من جيرانه وكان يصدق نفسه في هذا الأمر ويكذبها وهي صادقة، ولكنها كانت تبتسم بكل رقة، وهو يصر بكل بلاهة.
وصلا إلى محطة الباص وقفا أمام بعضهم إلتقت أعينهم في إبتسامة مشتركة زاد جمال إبتسامتها النغزة في خديها والقريبة من شفيتها .
قام كل منهم بمد يده إلى الأخر بالسلام… لأول مرة تتعانق أيدهم، شعر هو بشئ لم يشعر به من قبل، عند أول لمسة شعر بيده يدخل اليها مجال ما، لم يعرفه هل مجال مغناطيسي أم كهربي أم شعاع دافئ، لم يدرك كنهه
شعر بهذا يسري من بين أصابعه إلى عروق معصمه سار المجال سريعاً إلى كتفه ثم هبط في قلبه وكأن أصابعها صافحت قلبه بحنو شديد .
نظرا الى بعضهما قلقين ..سحب كلاً منهما يده .. بسرعة نظرا إلى بعضهما، وأعلنت عين كل منهما للأخر أن هناك خطبا ما..ثم إبتساما ..وإستكملا الحديث وكأنهم لم يتصافحا .
نادت عليها زميلاتها ونادى عليه زملائه فقد حان وقت الذهاب، وجدا أيديهم تمتد بسرعة ليعنقا بعضهما من جديد ويتكرر نفس الشعور من جديد، وفى هذه المرة مكثت كل يد فى حضن اليد الأخرى ، وزاد الشعور غرابة حيث شعر كل منهما أن أيديهم قد ذابت فى بعضهما، تكرر نداء زملائهم فترك كل منهم يد الأخر، ولكنهم عادا لإستكمال الحديث مرة أخرى، قاصدين أن يتركا المجال لعناق أيدي أخر قبل أن يفترقا، إنصرفت تسير بعيداً عنه وهى مع كل خطوة تخطوها تلتفت تنظر إليه
وهو مع كل خطوة تبتعد فيها هي عنه، يرتفع قلبه ويهبط وكأنه الأرض التي تسير عليها .
أدرك وقتها أنه قد وجد حب حياته .
تمت
عمرو الدمرداش يكتب….عناق الكفوف