جلست على حافة احد فروع نهر الراين الذي يمر داخل مول تجاري حيث تم بناء المركز التجاري فوق النهر نظرا لقلة الاراضي في هولندة فيتم استغلال اي مساحات وقد اصبح اهلها خبراء في دق الخوازيق في باطن الانهار فالدولة اصلا تسمى “الارض المنخفضة” وتتجمع فيها كميات غزيرة من الامطار بالاضافة الى مرور نهر الراين والممرات المائية تحيط بكل المدن تخترقها احيانا لتنشئ على ضفافها حياة من الورود والمحلات والكافيهات واماكن التسوق…وفي هذا المركز التجاري وفي منتصفه بالتحديد ادخلوا مياه النهر برافعة ليمر على سطح زجاجى بشكل قوس او قبو تنحدر المياه على صفحته لتعود مرة اخرى الى النهر من خلال فتحات صغيرة على الجانب الاخر من القبو..وتستطيع ان تمد يدك لتداعب المياة وهي تنساب على السطح الزجاجي والذي احيط من جوانبه الاربع بحاجز خرساني مغطى باجمل انواع الرخام والذي يستخدمه رواد المركز التجاري ككراسي للاستراحة من تعب التسوق…وقد فعلت مثلهم وجلست المس سطح الماء ولمحت امامي” حمامة” جاءت تشرب وظلت واقفة على مقربة مني ولا ادري كيف دخلت المول التجاري فهو مغطى ومكيف الهواء وتأملت تلك الحمامة التي استكانت وفي اريحية شديدة تمشي حول حوض المياه برغم كثرة الرواد وهي تحس بالامان التام ولايضايقها احد لا ببندقية رش ولا محاولة قنص… تتبختر في زهو تطير لحظة وتهبط اخرى فسألتها في حوار من طرف واحد ..ترى لو كنت في بلاد الشرق كنت ستمرحين جيئة وذهابا كما انت الان…وتخيلت الرد ..ياسيدي نحن هنا لم نعرف القفص ولم ولن يقبض علينا احد نعيش حياتنا بكل حرية كيفما ترى فنحن لسنا طعاما للقوي الذي يحمل البندقية نحن لسنا اسرى ولانعرف الاستعباد هنا نطير وقتما نشاء ونحط اينما نشاء نأكل من رزق الله الموجود في كل مكان ونعيش كما يعيش الانسان…ولماذا جئت وحدك ولم تأت مع سرب من اقرانك؟ …ياسيدي انا دخلت المركز بطريق الخطأ ولكن اعجبني هذا النهر كما اعجبك وشربت منه وطرت في انحاء المركز اتسوق ولكن دونما ابتاع شيئآ فبضاعتكم لاتلزمني…فقط حياتي تنحصر بين حب”بفتح الحاء” وماء وعش يقيني برد الشتاء…وهل لديك عش في هذا البلد الذي معظم ايامه شتاء؟ نعم ياسيدي فكل اشجار الطريق التي تراها عينك في كل مكان والتي لايسقيها انسان بل رب السماء تحمل بين طياتها اوكارا نلجأ اليها وقت الصقيع…ومتى تهجروا الاوكارا؟ بعد حين… حين يبدل الحب دارا…وهل تظل الديار ديارا..فقد تعصف بها الرياح فتغدوا قفارا…ولكن عليك ان تعلم ياسيدي اننا هنا لانخشى بطش يد انسان فالناس يعشقون الحياة ليس لانفسهم فقط ولكن لكل دابة على الارض …او طير يرفرف في السماء ..ألا تراهم يحملون كلابهم وقططهم في احضانهم ويستضيفونهم في بيوتهم…انظر معي ياسيدي الى اسراب البط التي تمشي على جانب تلك القناة او الترعة كما تسمونها في بلادكم….هذه مخلوقات الله ومن حقها الحياة في ارص الله الواسعة ….تسمرت في مكاني ونسيت الكلمات بل ونسيت عنواني ويبدو ان سرب الحمام قد افتقد احد افراد اسرته وكثفوا البحث الى ان وجدوا رفيقتهم وانضموا لها في مشهد جماعي يتعانقون وكأنهم عادوا من سفر….ترى ماذا يكون مصيرهم لو كانوا في بلاد الشرق؟…اكيد صيد ثمين لمحترفي الصيد مثل خواجات دنشواي الذين تركوا حمام بلادهم وجاءوا يصطادون حمامنا الضعيف الجائع….يا الهي حتى حمام الشرق حلال للمحتل ..الا يكفيه استعباد البشر؟ انه يفعل ما لايستطيع فعله في وطنه… لعنة الله على طغيان الجيوش حينما تهدر دم الشعوب الضعيفة البريئة….وختمت الحوار بسؤال بلا جواب…كيف استطاعت هذه البلدان التي تحمل كل هذه الانسانية لكل المخلوقات في وطنهم..ان يكونوا اوغادا في بلاد الشرق؟