الدكتور عادل عامر – يكتب من : مصر القاهرة
أصبحت مجموعة بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظرا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل مع توالي السنوات، مما جعلها محط اهتمام عديد من الدول الأخرى، التي ما فتئت ترغب في الانضمام إلى التكتل. يضم هذا التكتل 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
وكلمة “بريكس” (BRICS) بالإنجليزية عبارة عن اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول. تسعى الدولة المصرية إلى الانضمام إلى مجموعة البريكس من أجل تأمين مصالحها التجارية مع بكين وموسكو. انضمت ست دول جديدة إلى مجموعة بريكس المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وفق ما أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا الخميس خلال قمة للمجموعة في جوهانسبورغ. وتلتحق كل من إيران والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأرجنتين وإثيوبيا اعتباراً من الأول من يناير 2024 بمجموعة الدول الناشئة الساعية إلى تعزيز نفوذها في العالم. تشكّل دول مجموعة بريكس مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع” (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.
الانضمام للبريكس يحمل فرصة كبيرة لزيادة معدلات التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة بين مصر والدول الأعضاء، فضلا عن أهمية الوجود وسط تكتل يحمي المصالح السياسية والاقتصادية للدولة المصرية ويضيف مزيدًا من التعاون وتبادل الخبرات.
الاستفادة من اتجاه البريكس للتعامل بالعملات المحلية أو بعملات غير الدولار الأميركي، وهذا جزء تحتاج إليه القاهرة نظرًا لمشكلة النقد الأجنبي، وبالتالي تنويع سلة العملات الأجنبية.
مصر باتت عضوًا في بنك التنمية التابع لبريكس، وهذه خطوة تؤكد إصرار الدولة المصرية للانضمام إلى المجموعة.
الانضمام يعزز من العلاقات السياسية الجيدة التي تربط مصر بباقي دول المجموعة وعلى رأسها روسيا والصين والهند، وبالتأكيد يسهل ذلك تواجد ذلك ضمن دول المجموعة.
وهذا ما تثبته الأرقام الصادرة عن مجموعة بريكس، التي تكشف عن تفوقها لأول مرة على دول مجموعة السبع، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7%.
إلى جانب ذلك، تعمل مجموعة بريكس على تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات الاقتصادية والسياسية والأمنية عبر تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم والتعاون الاقتصادي بين الدول الخمس، وهو ما من شأنه أن يسهم في خلق نظام اقتصادي عالمي ثنائي القطبية، عبر كسر هيمنة الغرب بزعامة أميركا بحلول عام 2050.
حملت الصين لواء القيادة فيما يخص توسيع المجموعة، وأطلقت محادثات واسعة في هذا الصدد خلال توليها رئاسة المجموعة العام الماضي. وتسارعت تلك الجهود في ظل تبعات الحرب في أوكرانيا وسلاح “العقوبات الاقتصادية” الذي تم استخدامه على نحو واسع، وأثر ذلك على اقتصاد عديد من الدول المختلفة.
وفيما يخص رغبة عدد من الدول العربية للانضمام، يقول الخبير الاقتصادي: “هناك عديد من البواعث التي تدفع الدول العربية إلى الانضمام لهذه المجموعة؛ بعضها سياسي وبعضها اقتصادي وبعضها يجمع بين السياسي والاقتصادي، على اعتبار أن مكانة الولايات المتحدة الأميركية السياسية تراجعت في المنطقة العربية نتيجة لسياساتها المتراخية في مصالح كثير من الدول العربية والمتشددة أو المتجاهلة عند تقاطع مصالح هذه الدول مع مصالح الولايات المتحدة”.
كما أن وجود كيان اقتصادي قادر على زعزعة الهيمنة الاقتصادية بثقل دول مثل الصين والهند وروسيا واثنان منهما يتمتعان بمقعدين دائمين في مجلس الأمن يتيح للدول العربية مساحة أكبر للمناورة الاقتصادية والسياسية، وفق الوصال. أهمية هذا الاجتماع لا ينبع من قيمة المنظمة وقوة الدول الأعضاء وحسب، بل من أهمية الأجندة التي من المقرر مناقشتها، في مقدمتها بحث توسيع قاعدة بريكس وضم دول جديدة في مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات وإيران والبحرين والجزائر، ناهيك عن مناقشة العملة الموحدة للمنظمة وتطوير بنك التنمية.
ولا يمكن إغفال التساؤلات التي تحاوط الاجتماع، والتي تتعلق بأهميته وأبرز الدول المحتمل قبولها، وما انعكاسات توسيع قاعدة بريكس على النظام العالمي الجديد، وأهمية ودور بنك التنمية، واحتمالية إقرار عملة موحدة تحد من سطوة الدولار على اقتصادات دول العالم..
وكان ينظر لاقتصادات دول “بريكس” خصوصاً الهند والصين بأنهما دولتان آسيويتان لا يمكنهما النمو مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية بسبب الكثافة السكانية، ولكن تغير ذلك بعد اعتقاد أونيل بأنه “حان للصين والهند دخول دورة نمو عالية ومستدامة وأنه يمكن وضع روسيا والبرازيل في الفئة نفسها”. وأصبح يتوقع من هذه القوى الاقتصادية أهداف محددة على المسرح العالمي خصوصاً بعد امتصاصها آثار الأزمة المالية العالمية، فبدأ ينظر إليها على أنها محرك للنمو العالمي، وحققت الصين أكثر من 70 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة “بريك”.
وفي السنوات التالية، أصبح تأثير “شنغهاي” و”بريكس” متزايداً في الساحة الدولية، وبينما يرد البعض ذلك إلى القوة الذاتية الدافعة لهذه الاقتصادات الناشئة، فإن آخرين يرون أن انسحاب الولايات المتحدة من ساحة القيادة العالمية للاقتصاد بسبب مشكلاتها الداخلية هي ما هيأت الفرصة لتزايد هذه المؤسسات وتحولها إلى مركز قوة اقتصادية جديدة.
وإذ يتوقع المزيد من النجاح للمؤسستين، يرجعه مراقبون إلى أنهما لا تدوران في فلك واشنطن، ما يمكنهما من الوقوف بموازاة تكتلات إقليمية كبيرة مثل الاتحاد الأوروبي، ولكن بعد تقوية علاقاتهما البينية وتوسيع عضويتهما ومعالجة الخلافات بين بعض عضويتهما خصوصاً بين الهند وباكستان وبين الصين والهند.
فإن الصين التي تمثل الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم مرشحة لأن تكون أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2035، أما الهند ثالث اقتصاد في آسيا، فيتوقع أن تتجاوز اليابان عام 2033، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد آسيوي والثالثة عالمياً.
وعلى رغم هذه التوقعات المتفائلة إلا أن للدولتين مشكلاتهما الداخلية، وربما تخفف منها رؤيتهما حول منظمة “شنغهاي للتعاون” بأنها ستحافظ على المسار الاستراتيجي لإمدادات الطاقة والأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب في المنطقة، بينما سيحد تكتل “بريكس” من التباين الدبلوماسي بينهما والظهور عالمياً بمظهر التوافق الكامل.
وفي الوقت الذي تشهد فيه دول “بريكس” تطوراً في جبهات عدة في مقدمها الاقتصاد من خلال تأثيرها على الاقتصاد العالمي لكيلا يقع ضحية للاقتصاد الأميركي، نجد أن الولايات المتحدة تكافح من أجل المحافظة على سياسة القطب الواحد، ما يحد من استغلال ثقل دول المجموعة وطموحها والاستفادة من الزخم المؤسسي في إحداث توازن القوى. وتبدو دول المجموعتين على رغم خلافاتها الداخلية أنها متسقة كأعضاء في تكتل واحد، ولكن إذا طبقت مبدأ إقامة علاقات “الجنوب مع الجنوب” بصورة موسعة، ربما تظهر نزعة ممارسة الهيمنة على الأطراف الضعيفة، مثل تلك التي تمارسها دول الشمال مع الجنوب، ما يعني استبدال هيمنة اقتصادية بأخرى.
تعتبر قمة البريكس 2023 نقطة تحول استراتيجية، حيث تجمع قادة هذه الدول لبحث التحديات والفرص التي تواجه العالم في الوقت الراهن، تأتي هذه القمة في سياق تطورات عالمية متسارعة، تشمل التغيرات الاقتصادية والسياسية والتحديات الأمنية، والأزمة الروسية الأوكرانية، وتضع الدول الأعضاء في مجموعة بريكس في موقع مهم لتقديم رؤى وحلول لهذه التحديات.
شكلت رغبة مصر الملحة فى إنهاء أزمة شح الدولار، أحد أبرز دوافعها للالتحاق بتجمع «بريكس». حيث تستهدف تدبير احتياجاتها المتعاظمة من موارد النقد الأجنبى؛ فى ظل الارتفاع القياسى فى فاتورة استيراد المواد الغذائية. فى حين يتم توجيه أكثر من 35 % من الناتج المحلى إلى سداد أقساط وخدمة الديون والقروض، التى حصلت على غالبيتها بالدولار. على صعيد موازٍ، تسعى مصر إلى تقليص اعتمادها على الدولار فى تعاملاتها التجارية مع دول «بريكس»، التى ترتبط معها بعلاقات اقتصادية ضخمة؛ أملا فى تخفيف الضغوط على الجنيه المصرى. وقد نجحت فى تدشين معاملات تجارية بغير الدولار، مع دول كبرى مثل: روسيا، والصين، والهند.
ن مجموعة “البريكس” تمتلك مقومات قوة تؤهلها لتشكيل قطب دولي فاعل وقادر على وضع قواعد لهذا النظام، وفي المقابل لديها ما يكفي من عوامل الضعف التي قد تؤثر في عملها، وخاصة علاقة بعض دولها الوطيدة مع الولايات المتحدة. وبرغم هذا يرى مختصون أن عناصر القوة هذه، بإمكانها التغلّب على نقاط الاختلاف وعوامل الضعف للحد من هيمنة النظام الدولي الأحادي القطب.
—
الدكتور عادل عامر
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير أمن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان