تختلف العلاقات وتتشكل بحسب كل شخص بالآخر وبحسب قوتها أو ضعفها وبحسب استمراريتها من عدم الاستمرارية على مر الزمان. علاقات تبدأ مع الإنسان منذ ولادتهِ وتستمر إلى نهاية العمر. وعلاقات تبدأ في منتصف العمر، وقد تستمر أو لا تستمر. وعلاقات لا يتخللها سوى المصالح المشتركة فقط.
وعلاقة الأصدقاء ببعضهم البعض تختلف عن علاقة الآباء بالأبناء، تختلف عن علاقة الزوج بالزوجة، وعن الأخوّة. كما أن علاقة المدرس بالطالب تختلف عن علاقة المدير بالموظف، وتختلف عن علاقة كل شخص بأفراد مقدمي أي خدمة. وهكذا.
وقوة أو ضعف أي علاقة تعتمد على طبيعة العلاقة وبناءها منذ البداية. فلا يُشترط أن تكون كل علاقة بديهية مثل علاقة الآباء بالأبناء أو الأسر أو الأخوّة مبنية على الحميمية والتقارب. فهناك الكثير من الأسر التي تعاني من الانشقاق وعدم التفاهم. كأزواجٍ لا يتفاهمون مع زوجاتهم، أو العكس. وأباء لا يتعمقون في بناء علاقة حب بداخل نفوس أولادهم، كما أن هناك إخوة وأخوات لا يعرفون عن بعضهم أية معلومات تخصهم. وعلى صعيدٍ آخر، تتمتع أسر أخرى بالتواصل الجيد، والعمل على إرضاء بعضهم البعض، بل والحرص على التواجد المستمر في السراء والضراء معًا.
أصدقاء يتواصلون مع بعضهم البعض كأنهم أخوة تربيا في منزلٍ واحد. يفهمون بعض من نظرات وإشارات، يتقاسمون الحياة بحلوها ومُرها ويخففون على بعضهم البعض. ولا يُشترط أبدا معيار معين لهذه الصداقة. فقد تكون بين إثنين غير متقاربين في العمر من نفس الجنس. وقد يكونوا أصدقاء الطفولة أو أصدقاء العمل. وقد يكونوا ليسوا من نفس الجنس أو العمر وعلى قدرٍ عالِ من الاحترام والالتزام والفَهم.
وثمار كل علاقة يعتمد على التعب في زرعها ورويها حتى تنمو بالصورة التي نريدها. فإذا نمّينا علاقات إيجابية، عادت بالنفع على أفرادها. وإذا نمينا علاقاتٍ سلبية، عادت بالضرر إما على أفرادها أو البعض من أفرادها. لأن هناك أشخاص يسعون جاهدين لتدمير أشخاص أخرى وهم لا يتأذون، وهناك علاقاتٍ أخرى اعتماديه، يعتمد فيها كل أفرادها على الآخر في إشباع ما ينقصهُ فقط دون أن يُعطِ. وهذه علاقات غير سليمة. بينما توجد علاقاتٍ إيجابية وسليمة تعمل على العطاء قبل الأخذ، فتجدها تأخذ المزيد من الحب والاشباع المطلوب.
ليست كل علاقة تتطلب الحميمية، فعلاقة المدير بالموظف لا تتطلب أكثر من تلبية احتياجات العمل والمصلحة المشتركة لكل منهما. وعلاقة الفرد بأي مقدم خدمة لا تتطلب أكثر من التعاملات المقتصرة على شراء أو تقديم الخدمة بمقابل.
وحينما نتحدث عن العلاقات العميقة المتطلبة للحميمية مثل الصداقة أو الزواج أو الأبوة أو الأمومة أو حتى الأخوة أيًا كان نوعها، فإننا نتحدث أيضًا على قدر غلاء الفرد في كل علاقة. وكلما ازداد قدر غلاء الفرد، ازدادت معها الحقوق والواجبات. فإذا قصَّر أي من أفراد العلاقة تجاه الآخر، تجد الطرف الآخر غير مسرورًا، أو مُشبَعًا. لأن غلاء الفرد بقدر غلاء العلاقة. بمعنى أنه قصَّر أحد أفراد العلاقة في افتقاد الطرف الآخر على سبيل المثال، أو التواجد معه في أصعب لحظات حياته، تجد الطرف الآخر يتأثر سلبيًا بغياب الطرف الذي يُعزه لأنه كان لا يتوقع غيابه في تلك اللحظات بالذات. لذا يجب مراعاة هذا الجانب بشدة.
وغلاء الفرد لا يعني أبدا اقتحام خصوصية الآخر في العلاقة. فمهما كانت درجة قرابة العلاقة، تظل الخصوصية الجانب الذي لا يتعداه أحدا لنجاح أي علاقة. فكثير من الأزواج يظنون خطئًا أن دليل الحب العميق لبعضهم البعض، هو التواجد معه أربعة وعشرون ساعة دون انفصال ومعرفة كل تفاصيل تدور حول الطرف الآخر. ولكن في الحقيقة إن هذا الأمر لا يدل إلا على عدم إعطاء مساحة الحرية المطلوبة لكل فرد كي ما يعيش الحياة بطريقة سوّية. فلابد من الحفاظ على هذه الاستقلالية للحفاظ على استمرارية وصحة العلاقة.
بقدر غلائِك، تزداد المحبة والتضحية. وبقدر غلائِك يزداد تقدير الشخص المُقرب إليك لظروفك دون أن تشرحها. لأنه يفهمك جيدا، فيتحملك في الأوقات الصعبة. بقدر غلائِك تجد مَن يرحب بك حينما يسمع اسمك فقط، مبتهجا بطلتِك. بقدر غلائك، تُقدَّر في غيبتك كأنك حاضرًا تمامًا. وبقدر غلائك، تترك أثرًا طيبا في نفوس من حولك حتى بعد رحيلك من هذا العالم.