كريستين عادل يني تكتب.. حينما نسمع
“أسمع كلامك أصدقك، ولكن أرى أمورك أستعجب” هي كلمات لمثلٍ مصري نردده حينما نسمع شخصًا يتكلم بأمورٍ كثيرة ونصدق أقوالهُ، ولكننا نُفاجأ بأن أفعاله غير مطابقة تماما لأقوالهِ.
تعمل حاسة السمع كل يوم بنشاطٍ شديد، فهي الحاسة الأولى التي تستيقظ في الصباح حينما تسمع صوت منبهك الذي أيقظك أو أي صوتٍ آخر. وهي الحاسة الأولى التي تعمل عند الجنين في بطن أمهِ، فيشعر بأمه من خلال صوتها في كل وقت ويتعود على هذا الصوت ليخرج إلى الحياة شاعرًا بالطمأنينة والأمان في حضنها لأنه كان متعودًا على هذا الصوت تسعة أشهر. وهي آخر حاسة تعمل عند مفارقة الإنسان للحياة، فتجد بعد موت كل الحواس تدريجيا تظل هذه الحاسة آخر حاسة تعمل حتى تقف.
وهي حاسة لا تنام، بمعنى أنه إذا كان الجسد كلهُ متوقفًا عن الحركة أو العمل لفترة قليلة أثناء النوم تظل هذه الحاسة عاملة بمجرد حدوث أي صوتٍ من حولها.
يمرُ علينا الكثير والكثير خلال يومنا لنسمعه إما بتركيز أو بعدم تركيز، وإما بإرادتنا أو بغيرِ إرادتنا، المهم أن هذه الحاسة تظل عاملة طوال اليوم. فنسمع الأشخاص في حديثهم معنا وأمامنا، ونسمع تعليماتٍ من خلال أشخاص أو أجهزةٍ معينة، ونسمع إعلاناتٍ لترويج منتجات، وأغاني نختارها بعناية، وأحيانا أخرى أغاني لا نختارها. نسمع كلامًا نافعًا يبنينا كالنصائح أو الوعظ والإرشاد أو التعلُم. ونسمع الثرثرة أو الغيبة في حق الآخر، أو حتى المديح أو الإهانة لشخصنا. كلها أشياء تمر من خلال حاستنا التي لا تنام.
وحينما نسعى بأنفسنا لسماع شيئًا معينًا بإرادتنا، فإننا نؤهل أيضًا باقي حواسنا لهذا الاستماع لأننا نسمعه برغبتنا. كمثل استعدادنا لسماع محاضرةٍ ما في أي مجالٍ من المجالات، فنؤهل كل أذهاننا للتركيز، كما تنتبه أعيننا لما نراه من شرحٍ. وذلك بعكس الوقت الذي لا نرغب فيه إلى سماع شيء فنجد حواسنا نائمة وأذهاننا غير متقبلة لما نسمعه، كأن نستمع إلى توجهات لا نرغب فيها من أشخاصٍ غيرِ مرغوب فيهم. أو كأن نسمع إلى حديثٍ غير متماشٍ مع عقليتنا أو اهتماماتنا أو عاداتنا. أو كأننا نشعر بالنعاس في ذلك الوقت فلا نستطيع التركيز فيما نسمعه، بالرغم من أن حاسة السمع مازالت تعمل.
حينما نسمع، فإننا أيضًا نتذوق ما نسمعه مثل تذوقنا للطعام تمامًا. فسماعِنا إلى الموسيقى هو نوع من أنواع اختبار هذا التذوق. وبالتالي ينعكس هذا التذوق على رسم ملامح شخصيتنا. وحينما نسمع يُقاس مدى صبرنا أو حسن تفهمنا بالمدة التي نسمع فيها. فهناك أناسُ ماهرين جدا في الاستماع إلى الآخر والانصات إلى مشكلات والتخصص في حلها. وعلى صعيدٍ آخر، هناك مَن لا يتمتعون بهذه المهارة ولا يستطيعون الاستماع طويلًا بصفة عمومية سواء لأشخاصٍ أو إلى محاضرات أو لأي مجالٍ آخر. في النهاية هي قدرات ومواهب.
حينما نسمع نستطيع أيضًا إيقاف ما نسمعه في بعض الأحيان، كمثل إيقاف الاستماع إلى التطاول في الحديث على شخصنا، أو إيقاف الاستماع إلى ما لا يفيد ولا يعود بالنفع إلى نفوسنا. أو إيقاف الاستماع إلى ما يُهدر أوقاتنا وعقولنا. وكمثل إيقاف الاستماع إلى نصائح نظن أنها لا تفيدنا أو لا نرغب في سماعها. وفي كل الأحوال عند إيقاف ما لا نريد سماعه، نحصد النتيجة إما بالإيجاب أو بالسلب، بحسب نوع ما نسمعه. فقط علينا أن نميز ما نسمعه.
وكمثل باقي الحواس أو الأعضاء التي تُهلَك من أجسادنا، تُهلَك أيضًا آذاننا من السمع على مدار الحياة. وكلما حافظنا على هذه الحاسة وميزنا ما نسمعه لفلترته، كلما تمتعنا بعمر آذانٍ طويلة. فمن الممكن أن نسمع إلى أصواتٍ صاخبة في مراسم تدل على الفرح أو الابتهاج ولكنها في الحقيقة مزعجة، فكيف تكون آذاننا محمية في ذلك الوقت؟! كذلك أيضًا الحال حينما نسمع إلى كلام مؤذِ أو إلى أصواتٍ مزعجة تدل على الحزن أو الغضب. هي أيضًا إهلاك لحاسة السمع.
وبقدر ما نسمع، علينا أن نتحقق أيضًا من صدق أو كذب ما نسمع. فقد نسمع إلى أكاذيب أو افتراءات، وقد نسمع إلى تظلمات أو شكاوٍ، وقد نسمع إلى نميمة. فصيانة آذاننا من توجيهها لما نسمعه.
حينما نسمع، دعونا نسمع بقدر الإمكان إلى كل ما هو للبنيان، وكل ما هو مفيد.
بقلم: كريستين عادل يني.