أحيانآ تأتينا أمور خارج عن إرادتنا أو نتذكر أحداثا مرت، مؤلمة كانت أو مفرحة، كموت عزيز أو تذكر أحد الوالدين في حالة مرضية، و انت عاجز عن تفقدهما إما لبعد المسافة، او لكثرة انشغالاتك أو لظروف ما، أو تتذكرك أنك مرة آذيت فيها شخصا أو تعرضت للأذى من أحد وعجزت عن الدفاع عن نفسك ، فأحسست بعد مدة بالضعف والإنهزام، وقد يكون البكاء أيضا لتقصير في العبادة او في معاملة الشريك، او لتهاون أنبك فيه الضمير حين تذكرته، أو لا مبالاة لأمور تخص تربية الأبناء ،أو تقصير لا إرادي للأسرة. كلما تذكرتهم تذرف دموعك دون نقاش أو تفسير لأحد، وقد تفضل أن تكون الدموع حوارا داخليا حتى لا يعلم من معك سببها. و هذا لا يعيب المرء في شيء بل هذه حالة طبيعية و وسيلة للتنفيس دون حديث، وهي ليست حالة ضعف كما يعتقد البعض، بل البكاء هو إفراغ لكل الطاقة السلبية لكي يرتاح الشخص.
و بعدها يستجمع كل القوة ليعطي أكثر وليتفادى بعض الأخطاء التي لم يدركها في حينها، لكن إذا لم يفرغ الإنسان ما به بالبكاء تتدمر قوته لأنها تضعف شيئا فشئا فينهار داخليا و لا يستطيع البكاء بعد، حتى لو استجمع كل قوته لفعل ذلك… كما لو بكى في وقت هو في أمس الحاجة إلى ذلك.
فالبكاء في وقت تحتاج الذات والنفس فيه للتعبير يصبح هو تنظيفا فوريا للحزن بداخل الإنسان الموجع وان كتمه تحول إلى حزن عميق .
لا يحق أن ننظر لمن بكى أو يبكي على أنه ضعيف، بل هو منهار داخليا وأعصابه تصبح في حالة تعب بثقل لا يحسه غيره.
فإذا بكى الطفل لا تسكته حتى يفرغ ما لديه من احتياج لهذا. دون بكاء الجوع الذي يعالج بالطعام، ولكن إذا بكى على لعبة تستهويه وأنت ترى مصلحته في عدم أخذها اشرح له حسب عمره وإن بالغ في البكاء اتركه حتى يخرج ما بطاقته، فقد يفهم ان أدرك ذلك. وقد يهدأ وينسى الأمر في حينه، لأن معالجة بعض المواقف المحرجة بإسكات الطفل الذكي الذي يستعمل البكاء كحيلة أو وسيلة يضعف بها الآباء لتلبية رغباته، حتى وان كانت ضد مصلحته يصبح علاجا فاسدا للواقع وللطفل، وغالبا بعد هذا البكاء يوجد حل المشكلة وتحل الأزمة التي كان يمر بها الشخص. سبحان الله
يقول الله في الصالحين (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا …)
البكاء العظيم حين تكون في قمة الخشوع وانت بين يدي المولى عز وجل لا وسيط بينكما حين تناجيه وتتضرع له ، حين تبكي خوفا من زلات بقصد او دون قصد ،حين يرتفع صوت البكاء وان تطلب المغفرة والثواب ، وان تسأل الله العطاء فتغيب وسط دموعك التي تكون للرجاء ، حين تنهمر دموعك وانت تدعوه عز وجل ليقضي حاجتك ، أو لينصفك ممن ظلمك أو قهرك
يقول سبحانه وتعالى: ( افمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ، ولا تبكون ، وانتم سامدون…) النجم 59\61
يكون هنا البكاء مناجاة و دعاء و استعطاف بصدق دون تصنع لانه بين يدي من لا يغفل ولا ينام وسبحان الله تدرف العيون دون تهييى او إشعار ..
البكاء كذلك لا يكون دائما في الأحزان فقط ولكن قد يكون كذلك في مواقف الفرح باستحضارنا موقفا من المواقف النبيلة التي تكون من أعز الأشخاص لدينا أو تكون لفرحة عرس أحد أبنائنا او فرح عند النجاح أو تحقيق لإنجاز.
المهم هو أن البكاء تعبير لحظي عن الحالة النفسية التي يعيشها الشخص الذي يبكي. والبكاء كما قلنا هو تنفيس وتفريغ لشحنة إما سلبية او إيجابية. فالبكاء له فوائد كثيرة صحية نفسية واجتماعية، حين نعبر للشخص الذي أمامنا عن درجة فرحتنا بما قدمه لنا، أو عندما نعبر له عن شدة أو وقع الأذى الذي تعرضنا له من جرائه . في كل الحالات، إن البكاء هو نعمة ربانية منحت للانسان و بعض المخلوقات الأخرى…