ينشر موقع هارموني نيوز، مقالا جديدا لـ لواء طبيب سمير فرج، وإلى نص المقال:
هناك العديد من المصطلحات العسكرية في القاموس العسكري مثل الضربات الوقائية الضربات الاستباقية الهجوم المضاد والهجوم الغير مباشر The Indirect Approach والضربات الجوية وغيرها من المصطلحات العديدة، لكن ما حدث هذه المرة فوق سماء البحر الأسود جعلني أطلق عليه مصطلح عسكري جديد وهو التحرش العسكري لانه لم يكن نوع من أنواع القتال المعروفة عندما قامت طائرتين روسيتين. من طراز سوخوي 27 يوم الثلاثاء 14 مارس بالتحرش بطائرة مسيرة أمريكية طرازMQ9 Reaper كانت في مهمة استطلاعية. حيث قامت الطائرتين الروسيتين بإلقاء الوقود على الطائرة المسيرة الامريكية عدة مرات ثم اصطدمت الطائرة الثانية بمروحة الطائرة المسيرة الامريكية. مما دفع قيادة القوات الأمريكية إلى إعطاء الأمر للطائرة المسيرة بسقوطها في المياه الدولية في البحر الأسود.
وهذه الطريقة بالذات أزعجت الولايات المتحدة حيث جاء هذا الأسلوب الجديد من الروس بتفريغ الوقود التكتيكي الإضافي للطائرة الروسية على مروحة الطائرة الأمريكية فأدى إلى تعطلها، خاصة أن هذه المسيرة الأمريكية MQ9 هي أغلى المسيرات في العالم يبلغ ثمنها 30 مليون دولار، بل أغلى من المروحية الأمريكية الهجومية الأباتشي. خاصة أن باقي الطائرات المسيرة في الترسانة العسكرية في العالم سواء كانت الإيرانية أو التركية لا يتعدى ثمنها بضعة آلاف من الدولارات، وحتى النوع الصيني المتطور حاليا لا يتعدى أكثر من 2 مليون دولار.
ويأتي سر ارتفاع سعر هذه الطائرة المسيرة الأمريكية أنها مزودة بقدرات فريدة تجعلها طائرة المهام الخاصة المتعددة فهي قادرة على تنفيذ ضربات ورصد الأهداف المعادية، كذلك قدرتها على الاستطلاع حيث انها مزودة بكاميرات ومستشعرات فائقة الحساسية، تستطيع التصوير في الأجواء الليلية، كما أنها مزودة بأجهزة حرب إلكترونية ويمكنها القيام بأعمال التجسس. والتشويش بإمكانيات عالية الدقة كما لديها القدرة على حمل 16 صاروخ من طراز هيل فاير قادرة على التصويب بدقة عالية ومدى هذه الطائرة 1860 ميل ويمكنها التحليق الارتفاعات تصل إلى 50 ألف قدم.
كما انها اعتبرت انها طائرة الاغتيالات لدى الأمريكان حيث نفذت اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني وأيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة في العام الماضي في كابول في أفغانستان.
وقد رفضت أمريكا تزويد أوكرانيا بهذا النوع من الطائرات خوفا في أن تسقط في يد الروس. حيث انها حاليا تطلق هذه الطائرات من القواعد الأمريكية في بولندا ورومانيا، وكانت حجتهم دائما أن هذه الطائرات تحتاج لوقت طويل للتدريب. وقد حاول البنتاجون التقليل من أثر هذه الحادثة حيث أعلنوا أنه قبل إصدار الأمر بسقوط الطائرة تم إزالة جميع البيانات التي كانت على أجهزة الطائرة والتي كانت مستخرجة من المعلومات عن الجانب الروسي في شبه جزيرة القرم. وبتحليل الأحداث نجد أن الإدارة الأمريكية تعاملت مع الحدث بمنتهى العقلانية فهي لم تقم بأي رد عسكري فوري كان سيتحول إلى صراع عسكري من الصعب السيطرة عليه بين أمريكا وروسيا.
كذلك جاء اتصال وزير الدفاع الأمريكي أوستن مع نظيره الروسي شويجو في اليوم التالي للحادث ليؤكد أن هناك اتجاه يهدف إلى عدم التصعيد لأي أعمال قتالية. مستقبلا، رغم أن كل طرف أعلن استياءه من تصرف الطرف الآخر، حيث أعلن الوزير الروسي أن هذه الطائرة كانت تهدف للحصول على معلومات عن القوات الروسية في شبه جزيرة القرم والمواقع الروسية في أوكرانيا لكي ترسلها إلى الجانب الأوكراني هذا الامر الذي يعتبر. أمرا استفزازيا، وعلى الجانب الأمريكي جاء رد وزير الدفاع أن هذه الطائرة كانت تعمل في الأجواء الدولية ولم تخترق المجال الجوي الروسي.
على أي حال جاء القرار الأمريكي في اليوم التالي بإيقاف عمل المسيرات الأمريكية فوق منطقة البحر الأسود والاكتفاء بالحصول على المعلومات في هذه المنطقة من الأقمار الصناعية الأمريكية وهو قرار حكيم بالطبع حتى لا تتزايد حدة التوتر مرة أخرى. وأعتقد أن التصرف الأمريكي هو نفس ما حدث بالضبط منذ عدة سنوات عندما أسقطت إيران طائرة أمريكية مسيرة. فوق الخليج العربي. ويومها أعلن ترامب أن الطائرة ليست عليها طيار امريكي لذلك لم تتصاعد الأمور في هذه الحادثة مع الجانب الإيراني.
وكان تعليق البنتاجون على حادث البحر الاسود. أن سببه عدم كفاءة الطيارين الروس، لذلك قام في اليوم التالي الرئيس بوتن بتكريم طياري هذه المهمة بنفسه تقديرا لهما وردا على الادعاء الأمريكي.
عموما أكدت هذه الحادثة أن الخط الساخن الذي يعمل بين روسيا وأمريكا ما زال يعمل حتى الآن. لحل الأزمات الطارئة لتجنب أي توتر في الحالات الطارئة وبعد سقوط هذه الطائرة بدء صراع آخر بين الروس و الامريكان وهو السرعة التحرك لانتشال حطام الطائرة من قاع البحر الاسود.
حيث أعلن الأمين العام لمجلس الأمن الروسي إنكلاي باتروشيف أن روسيا ستحاول الحصول على حطام هذه الطائرة وأنه لا يعلم إذا كانت روسيا ستنجح في ذلك أم لا، بينما جاء تعليق مدير الاستخبارات الروسية سيرغي ناريشكين. أن روسيا لديها إمكانيات تقنية عالية لانتشال حطام الطائرة، أما كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض فلقد أعلن أن الولايات المتحدة تتجنب وقوع المسيرة في يد خاطئة ويقصد بها الروس طبعا ، لذلك بدء السباق حيث تهدف الولايات المتحدة لسرعة انتشال الطائرة قبل الروس حيث أن المعدات الموجودة على الطائرة هي من أحدث الوسائل التي تستخدم في عمليات الحصول على المعلومات والتجسس خاصة. في مجال الإلكترونيات وتحديد الأهداف وعمليات السيطرة على هذه الطائرة وأسلوب التحكم فيها عن بعد وفي حالة وقوع الطائرة في يد الروس سيعتبر ذلك كنزا كبيرا نظرا لأن المستوى التكنولوجي للروس في هذا المجال ضعيف للغاية بالمقارنة للجانب الأمريكي، ومن هنا سيتحقق للجانب الروسي الاستفادة من مدى تطور هذه المعدات والتكنولوجيا في هذه الطائرة لتطوير الأنظمة الخاصة بالطائرات المسيرة في روسيا مستقبلا.
وقد قامت أمريكا فور سقوط الطائرة بتغيير كافة الترددات والشفرات التي تعمل عليها هذه الطائرة وكل الأنظمة والاتصالات الإلكترونية في أمريكا. كما أنها قامت بمسح كل المعلومات التي حصلت عليها الطائرة طبقا لبرنامج Self-Distractionالموجود في كل الطائرات في حالة سقوطها في الجو وهكذا سيظل السباق مفتوحا حتى نعرف من الذي سيصل إلى هذه الطائرة أولا في أعماق البحر الأسود.