بعد يومين، تحل ذكرى الخامس من يونيو 67، أسوأ ذكريات تاريخ مصر الحديث، يوم شنت إسرائيل، في صباح ذلك اليوم، ضربة جوية ضد المطارات ووسائل الدفاع الجوي المصري، فدمرتها، وبدأت، بعدها، هجومها البري، على سيناء، من ثلاث محاور رئيسية؛ المحور الساحلي من غزة والعريش ورفح، والمحور الأوسط حتى ممر الجدي، والمحور الجنوبي من الكونتلا، إلى نخل، إلى ممر متلا، حتى الضفة الشرقية للقناة. تلك الحرب التي أطلق عليها الغرب اسم “حرب الأيام الستة”، بعدما تمكنت إسرائيل، في ستة أيام، من احتلال شبه جزيرة سيناء، والضفة الغربية من الأردن، وهضبة الجولان بسوريا.
في هذا اليوم، الحزين، كنت برتبة ملازم أول، وكنت ضمن كتيبة المشاة، في منطقة كونتيلا، على خط الحدود، على مسافة 1800 متر من برج المراقبة الإسرائيلي، وصدرت لنا الأوامر بالانسحاب إلى نخل، وبعدها إلى ممر متلا، فنفذنا الأمر، بينما الطائرات الإسرائيلية تهاجم قواتنا بلا غطاء جوي. وقبيل ممر متلا أصاب الطيران الإسرائيلي عربتي، فواصلت، ومن معي، انسحابنا سيراً على الأقدام، تحت وابل الطائرات الهيلوكوبتر الإسرائيلية، حتى وصلنا إلى الضفة الشرقية لقناة السويس يوم 9 يونيو 67، لنجد أن طيران العدو قد دمر كل الكباري، على القناة، لمنع عودة قواتنا، فاستخدمنا القوارب المطاطية للمهندسين العسكريين.
وفي الخامسة من مساء ذلك اليوم، عشنا محنة جديدة؛ فبينما العلم الإسرائيلي مرفوعاً على الضفة الشرقية للقناة، وقواتنا المسلحة مدمرة في سيناء، إذا بالرئيس عبد الناصر يخرج على الشعب، معلناً تنحيه عن الحكم، ليزداد المشهد عتمة، إلا أن الشعب المصري، العظيم، رفض تنحيه، إدراكاً منه بأن الدفاع عن مصر هو الخيار الأوحد، وأن السبيل لذلك لا يتحقق إلا بتكاتف جميع القوى والتيارات، للتصدي للعدو الإسرائيلي، ومنع قواته من الوصول إلى القاهرة.
وبدأنا مرحلة جديدة لإعادة تكوين الجيش المصري، وإعادة تنظيمه، وتسليحه، وإنشاء الدفاعات على الضفة الغربية للقناة، تحت قيادة الفريق أول محمد فوزي، الذي تولى وزارة الحربية، بعد هزيمة 67، ومعه الجنرال الذهبي، الفريق عبد المنعم رياض، رئيساً للأركان. وخلال ست سنوات نجحت مصر في رفع كفاءة قواتها المسلحة، والتدريب على عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف، حتى حققت أعظم انتصاراتها، في العصر الحديث، في السادس من أكتوبر من عام 1973، لتؤكد، أن شعبها، وجيشها، قادران، دوماً، على تخطي أقصى الصعاب.