تعتبر الصناعات الحربية، في العصر الحديث، أحد أهم، وأكبر، موارد الدول المنتجة للسلاح، سواء على المستوى الاقتصادي، أو على مستوى تحقيق الاحتواء السياسي لبعض الدول الأخرى، إلا أن نسبة مبيعات تلك الأسلحة تعتمد على أنواعها، وقدراتها.
وفي فترات السلام يكون تطوير الأسلحة والمعدات الحربية أبطأ مما يحدث في أوقات الحرب، إذ يعتمد التطوير على العمل داخل المعامل، أو التجارب في الصحراء، دون رد فعل حقيقي من الطرف الآخر، بينما يختلف الأمر في الحروب والنزاعات، التي يتم خلالها الاختبار الفعلي للسلاح والمعدة، في ميدان القتال، وتظهر نتائجه المباشرة على الفور، وهو ما يدفع معظم شركات الأسلحة العالمية، للدفع برجالها من عناصر البحث والتطوير، المعروفة باسم Research & Development (R&D)، في ميادين المعارك الحقيقية، لقياس نجاح سلاح معين، وتحديد مدى الحاجة لتطويره.
وأذكر في هذا السياق، لقائي، في العام الماضي، بعدد من أفراد إحدى البعثات العسكرية العائدة لتوها من جولة لزيارة عدد من معارض السلاح في العالم، وبسؤالهم عما اطلعوا عليه من جديد في ذلك المجال، صدمتني إجاباتهم بأنهم لم يشهدوا أي تطوير، خاصة على أجهزة الرادار، في أي من المعارض التي زاروها. وهو ما دفعهم للاستفسار عن الأسباب، فعلموا أن جميع المصانع، ومعامل البحوث والتطوير، تركز أعمالها، حينئذ، على تطوير الرادارات، ورفع قدراتها، بما يمكنها من اكتشاف الطائرات المسيرة بدون طيار، أو الدرونز، والتصدي لها، وذلك في ضوء الخبرات المكتسبة من الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أثبتت فشل جميع الرادارات في اكتشاف تلك الأنواع من الطائرات.
ولنفس الهدف، تجري، حالياً، عملية تطوير كبرى، لأجهزة الإعاقة الإلكترونية، في كافة المصانع الحربية في العالم، لاستخدامها كأكفأ عناصر التصدي للطائرات المسيرة بدون طيار، للحد من الخسائر المادية الناجمة عن التصدي لتلك الطائرات، التي لا يزيد ثمنها عن بضعة آلاف من الدولارات، بصاروخ دفاع جوي تزيد تكلفته عن 2 مليون دولار. في حين يمكن تدميرها، أو تعطيلها، باستخدام الأشعة المستخدمة في أجهزة الحرب الإلكترونية، مع ضمان النتائج، خاصة أن معظم الطائرات الموجهة بدون طيار تعمل بالموجات اللاسلكية المختلفة، التي من السهل التدخل ضدها.
وبهذا يتضح أن المستفيد، دائماً، من الحروب، هي مصانع الأسلحة والمعدات الحربية، التي تستغل الفرصة للتطوير، بل ولتجربة معداتها، عملياً، في ميادين القتال، بواسطة جيوش قوية.