منذ عامين، وتحديداً أثناء احتفال مصر بأعياد اكتوبر، جمعني حوار شيق مع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أُذيع على الهواء مباشرة، قلت فيه لسيادته، أن صفحات التاريخ ستسطر باسمه، واحداً من أعظم وأشرف الأعمال، التي قدمها لمصر والمصريين، وهو تخليصهم من الإخوان المسلمين، وبراثن حكمهم، وهو ما أؤمن به حقاً.
واليوم أتذكر أنه بعد انتخاب الرئيس السيسي، في عام ٢٠١٤، وأثناء زيارة سيادته لنيويورك، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن كنت، حينها، متواجداً بالولايات المتحدة الأمريكية، وطلبت تحديد موعد مع السيدة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، والتي كانت تشغل، في ذلك التوقيت، منصب رئيس المجموعة الاستشارية، Think Tank، للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي كان يعتمد على مثل تلك المجموعات الاستشارية، لمعاونته في اتخاذ القرارات الهامة.
وتحدد موعد اللقاء، في العاصمة الأمريكية، واشنطن، مع السيدة أولبرايت، وبدأ الاجتماع بتقديم أعضاء المجموعة المكونة من 17 فرداً، والمنتمين لمختلف المجالات، فمنهم الخبراء العسكريون، وخبراء الأمن القومي، والسياسيون، وخبراء القانون، ولم أندهش لوجود دكتور لعلم النفس بينهم. كنت قد أُبلغت قبل الاجتماع، بأن مدته 45 دقيقة، تبدأ بكلمة للسيدة أولبرايت، لمدة 15 دقيقة، يعقبها كلمتي لمدة 15 دقيقة أخرى، على أن تخصص الربع ساعة الأخيرة للنقاش مع باقي أعضاء المجموعة.
بدأت السيدة أولبرايت حديثها بالتأكيد على أن الأسابيع المنصرمة كانت من أهم فترات المجموعة، إذ كلفهم الرئيس أوباما بدراسة أهم موضوعين يخصان السياسة الخارجية الأمريكية، في الفترة اللاحقة، تمهيداً لاتخاذ الإدارة الأمريكية عدداً من القرارات المصيرية بشأنهما. الموضوع الأول ما يحدث في البلقان، وتحديداً فيما يخص ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها. أما الموضوع الثاني فكان سؤالاً مباشراً من الرئيس أوباما لتوصيف ما حدث في مصر، وتحديد إن كان انقلاباً، قام به الرئيس السيسي لإزاحة الإخوان من السلطة؟ أم كانت ثورة شعبية، أيدها وساندها الجيش؟ مضيفة أنه في حالة اعتبار ما حدث في مصر انقلاباً عسكرياً، فسيكون له تبعات خطيرة على مصر، طبقاً للدستور الأمريكي.
واستطردت حديثها بأنها استهلت بحثها في الأمر المصري، بالاطلاع على الورقة البحثية التي قدمها الرئيس السيسي، أثناء دراسته بكلية الدفاع الوطني، (NDC)، بالولايات المتحدة، فوجدتها دراسة عن الديمقراطية في دول العالم الثالث، وهو ما يعنى أنه مؤمن، منذ بداية حياته العسكرية، بأهمية الديمقراطية لدول العالم الثالث، ثم أضافت أنها تابعت أول قرارات الرئيس السيسي بعد توليه الحكم برفع الدعم عن المحروقات، وهو القرار الذى تأخر لأكثر من 40 عاماً، في مصر، خشية المعارضة الجماهيرية، مما أكد لها أنه Reformer، حسب وصفها، أي إصلاحي، وكررت الكلمة أكثر من مرة، فلو كان قادماً على رأس انقلاب لفعل ما يفعله الانقلابيون، بمحاولة استمالة الشعب، بقرارات شعبوية لإرضائهم. والأهم من ذلك، أن الشعب وافقه على قراراته، رغم صعوبتها، ولم يواجها بالرفض الشعبي، أو بالمظاهرات، مما أكد لها، وللمجموعة، أن ما حدث في مصر ثورة شعبية، انحاز لها الجيش، وهو ما رفعته لاحقاً في تقريرها النهائي للرئيس أوباما.
عندما حان دوري، في الكلام، كنت على يقين بأن تلك المجموعة على علم تام بتفاصيل ما حدث، فأضفت كلمة واحدة، مفادها أنه حتى في أعتى الديمقراطيات، يتودد الرئيس إلى الشعب، خلال فترة رئاسته الأولى، بقرارات شعبية، ليضمن إعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة، يتخذ خلالها القرارات الصعبة، قبيل رحيله عن الحكم. أما الرئيس السيسي فكان هدفه الإصلاح منذ اليوم الأول، غير آبه بشعبيته، لإيمانه بأن قراراته تصب في مصلحة البلاد، حتى وإن لم يشعر العامة بأهميتها، على المدى القصير، إلا أن تأثيرها على الاقتصاد المصري، عظيم في المستقبل.
وانتهى اللقاء الرسمي، وتقدمنا نحو طاولة جانبية، حيث رُصت عليها الحلوى الأمريكية الشهيرة، الدونات، وفى خلال خمس دقائق، وبينما نتناول القهوة، تحدثت السيدة أولبرايت بحرية أكبر، بعيداً عن الرسميات، فبدأت حديثها بدعابة عن أن تلك الحلوى، من ذلك المتجر الخاص، هي أحب الأنواع إليها، والسبب الرئيسي في إفساد كل محاولات الحميات الغذائية التي تتبعها، ثم استطردت قائلة بأنها استعدت لاجتماعنا المشترك، بالقراءة عن تاريخي العملي، سواء في الحياة العسكرية أو المدنية، وعلمت أنى كنت أول محافظ للأقصر، متمنية أن تزور مصر يوماً، بغرض السياحة، لمشاهدة آثارها، التي درستها منذ الصغر، كمهد الحضارة، وفجر التاريخ، وأن تقوم برحلة نيلية، التي سمعت عنها من أصدقائها، كأجمل الرحلات.
واختتمت السيدة أولبرايت، ذلك الحديث الجانبي، قائلة، إن بلادكم عظيمة، وتستحق أن تقود العالم العربي، والإسلامي، بما اجتمع لها من مؤهلات القيادة، فمصر عظيمة بتاريخها، وبمواقفها الإقليمية والعالمية، التي جعلتها حجر زاوية الاستقرار في الشرق الأوسط، مضيفة أن ما حدث في 30 يونيو قد خلص مصر من الإخوان المسلمين، بفضل وعي الشعب العظيم. والحقيقة أن تلك الدقائق الخمس، التي تلت مناقشة الموقف المصري، خلال الاجتماع الرسمي، جعلتني أشعر وكأنها كانت تقرأ الطالع، فعلى الفور بدأت مرحلة التنمية في مصر، بالتركيز على ما فيه مصلحة المواطن، سواء بتطوير ورفع كفاءة البنية الأساسية، ورفع مستوى معيشة المواطن في الريف، وبمرور الأيام تأكد لنا أننا نسير على الطريق الصحيح، وهو ما سيجنى ثماره أولادنا وأحفادنا، وسيكون أحد أسباب فخرهم بمكانة مصر المستحقة.