عندما بدأت حرب غزة يوم السابع من أكتوبر 2023، لم يكن أي من المحللين العسكريين، أو السياسيين، أو الاستراتيجيين، يتصور أن تمتد تلك الحرب لشهرها التاسع، بل إن إسرائيل، نفسها، لم يكن ذلك في تقديرها.
واليوم، في محاولة لحصر خسائر إسرائيل، حتى اليوم، نجدها خسرت أكثر من 2500 قتيل، فضلاً عن أسر أكثر من 250 جندي وضابط إسرائيلي، من بينهم رتب عليا، كما قامت، لأول مرة، بتهجير نصف مليون إسرائيلي، من المستوطنين حول قطاع غزة، سواء في الشمال أو الجنوب. يضاف لذلك تعرض عدد من مراكزها، ومواقعها، للاختراق، لتحصل المقاومة الفلسطينية على الكثير من المعلومات الهامة عن الموساد، بما مكّنها من غزو الأراضي الإسرائيلية، بعدما كانت الريادة لإسرائيل في ذلك.
وكأن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد خطط لانهيار الصورة، التي حاول تثبيتها، على مر العقود، في أذهان الجميع، بأنه الجيش الذي لا يقهر، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، وتفشل تكتيكاته في نقل الحرب، أو نقل أرض المعركة، إلى أراضي خصمه، ويفشل في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، عند بدء الحرب، سواء بتدمير حماس، أو الاستيلاء على غزة، أو حتى تحرير الرهائن، الذي لم يتم إلا جزئياً، ومن خلال مفاوضات لتبادل الأسرى، كان الجانب الفلسطيني هو الرابح فيها.
كما تسببت تلك الحرب، لأول مرة، في إحداث شرخاً في وحدة المجتمع الإسرائيلي، سواء الانشقاق داخل الحكومة الإسرائيلية، واستقالة ثلاثة من اعضائها، أو المظاهرات اليومية، في كل مدن إسرائيل، المطالبة بإقالة نتنياهو، وإجراء انتخابات جديدة. فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها إسرائيل، والتي تُقدر بنحو 240 مليون دولار، في اليوم الواحد، نتيجة التوقف التام للسياحة، وتوقفت العديد من المصانع الإسرائيلية، نتيجة استدعاء أفرادها للتعبئة العامة. وشهدت إسرائيل، لأول مرة، اعتراض أكثر من 4 آلاف جندي، وضابط، على المشاركة في أعمال القتال في غزة، باعتبارها حرب خاسرة، فضلاً عن رفض 4100 طيار إسرائيلي الخدمة في الاحتياط.
وإن كان في تلك الحرب مكسب، فرغم ما يعانيه الفلسطينيون من عدوان غاشم ينافي كافة القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، إلا أنهم نجحوا في إعادة قضيتهم على رأس أولويات الأجندة العالمية، واكتسبوا اتحاد جميع شعوب العالم معهم، واعتراف عدد من الحكومات بدولة فلسطين، وهو ما قد يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية، خاصة في حال فوز ترامب في السباق الرئاسي الأمريكي، وهو المعروف بتوجهه نحو حل القضية من خلال دولة إسرائيلية واحدة، تجمع المسلمين واليهود والأقباط، وعاصمتها القدس.