لواء دكتور سمير فرج يكتب.. عندما تعود الريادة للجامعات المصرية (1)
أتشرف، دوماً، بدعوتي، من الجامعات المصرية، لرئاسة، أو عضوية لجان مناقشة رسائل الدكتوراه والماجستير، خاصة عندما تدور حول موضوعات الأمن القومي أو الإعلام أو حروب الجيل الرابع والخامس. وقد يظن البعض أن الباحث المُتقدم للحصول على الدرجة العليا في مجال دراسته، هو المستفيد الوحيد من تقييم أعضاء لجان المناقشة، بينما، في الحقيقة، أننا نستفيد، كذلك، مما يطرحه الباحث، لأنه أمضى على الأقل من ثلاث إلى خمس سنوات، في القراءة، والاطلاع، والبحث، والتحليل، وصولاً إلى وضع رسالته العلمية بين أيدينا، بما تحتويه من مادة علمية، شاملة للكثير من المعلومات الحديثة، التي استنبطها من عالم سريع الخطى، ملئ بالمتغيرات. لذا أعتبر مشاركتي في لجان المناقشة، إضافة جديدة، ومصدراً لتجديد معلوماتي.
وفي الشهر الماضي، تشرفت بالاشتراك في لجنتين لمناقشة باحثين، للحصول على درجة الدكتوراه، واللذان تصادف أنهما من دولتين عربيتين؛ كانت الأولى في كلية الإعلام، بجامعة عين شمس، للدارس الكويتي عقيد نايف محمد حمدان، وكان موضوعها عن “علاقة الشباب الكويتي بصفحات مؤسسات الجيش والشرطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وانعكاسه على الوعي الأمني”. وتشكلت لجنة المناقشة برئاسة الأستاذة الدكتورة هبة شاهين عميد كلية الإعلام بجامعة عين شمس، والدكتورة مي حمزة الأستاذ المساعد، وكاتب هذه السطور. ولعل أبرز ما أسعدني في تلك الرسالة، أنها ابتعدت عن الموضوعات النمطية، والمكررة، التي قد يُمنح الباحث الدرجة العلمية عن جهده العلمي في جمع معلوماتها، وانضباطه المنهجي في تحليلها، إلا أن الحال ينتهي بها على أرفف المكتبات، دونما استفادة حقيقة من محتواها.
أما تلك الرسالة، التي نحن بصددها، فقد تعرضت للأوضاع الحالية، التي تمر بها كافة الدول والشعوب في العالم العربي، وناقشت موضوع الساعة، وهو حروب الجيل الرابع والخامس، التي تعاني دول المنطقة العربية من وطأتها. وعندما عرض الباحث نوعية القضايا الأمنية التي يتعرض لها المجتمع الكويتي، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وجدتها نفس القضايا الأمنية الموجودة داخل المجتمع المصري، من ذلك الدخيل على مجتمعاتنا، المعروف بوسائل التواصل الاجتماعي. فكانت فرصة لنا جميعاً لدراسة التجربة الكويتية، والنقاش، مع الباحث الكويتي، حول أوجه التشابه والاختلاف، بين الكويت ومصر، في استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي، لنؤكد على أهمية وجود استراتيجية جديدة، لتوعية أفراد المجتمع، وخاصة فئة الشباب، من ذلك الهجوم الشرس الذي يتعرضون له من جميع تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها فيسبوك وتويتر وتيك توك وإنستجرام، وغيرهم.
لقد صارت الحرب الحديثة، في يومنا هذا، المعروفة باسم حروب الجيل الرابع والخامس، لا تعتمد على دبابة ضد دبابة، أو مدفع ضد مدفع، بل صارت أكثر شراسة، وخبثاً، إذ أصبحت القذائف موجهة ضد أفكار ومفاهيم الشعوب، لتشويشها، بتصدير أفكار متطرفة؛ سواء في الاتجاه الديني، أو التحرري، وكلاهما بعيد كل البعد عن تعاليم الأديان الوسطية، وقيم وعادات وتقاليد مجتمعاتنا، مستهدفة بذلك تفكيك المجتمعات، وإفقادها الهوية، وقتل روح الانتماء. كما أنها تدفع الشباب لفقد الثقة في دولته وإدارتها وحكومتها ومؤسساتها، بترويج إشاعات وأخبار كاذبة، لإحداث الوقيعة بين الشباب والجيش والشرطة، في البلاد التي يتصدى فيها الجيش والشرطة لتوفير الأمن والأمان والحماية. وقد تعرضت تلك الدراسة إلى دور الإعلام الأمني في توعية الجمهور، وضرورة إيجاد أساليب حديثة للتصدي للشائعات التي هدفها تدمير الدولة، من خلال التأثير على أفكار ومفاهيم الشباب، والشباب، ومرة أخرى الشباب!
وبعد مناقشة الباحث العقيد نايف محمد حمدان لعدة ساعات، متواصلة، أجازت لجنة المناقشة حصوله على درجة الدكتوراه، بتقدير امتياز، ليعود إلى بلاده، حاملاً درجته الدراسية العليا، التي حصل عليه من جامعة عين شمس المصرية، أحد أعرق الجامعات في منطقتنا العربية، والتي نفخر بأنها كانت ولازالت منارة للعلم، ومقصداً لطالبيه، من شتى الدول العربية. وسوف أعرض في مقالي القادم، لتجربة مماثلة، في جامعة الزقازيق، لباحثة أخرى من دولة البحرين. ولذا أقول مرحباً بكل ضيوف مصر من الدارسين العرب، في الجامعات المصرية، وأذكر في محاضرة لي في جامعة الإسكندرية، صرح آخر من الصروح العلمية الشامخة في مصر، أن أخبرني الأستاذ الدكتور عبد العزيز قنصوة، رئيس الجامعة، أن جامعة الإسكندرية يدرس بها، الآن، 12 ألف طالب عربي، من مختلف الدول العربية، إيماناً منهم بفخر الدراسة في الجامعات المصرية.
وفي نهاية اليوم، عند مغادرتي لمبنى كلية الآداب، بجامعة عين شمس العريقة، تذكرت أيام طويلة أمضيتها فيها، بعدما التحقت بها، وحصلت على ليسانس التاريخ، وأنا ضابط بالقوات المسلحة المصرية. وعدت لأجمل الذكريات التي عشتها في ذلك المبنى، وأنا أحضر المحاضرات والمناقشات مع أساتذتي الأفاضل الدكتور نوار رئيس قسم التاريخ، والأستاذة العظيمة الراحلة الدكتورة سعاد الصحن، التي درست لنا الجغرافيا السياسية، والتي أدين لها بالفضل لكثير مما تعلمته، فلا أنسى كيفية رسم خريطة العالم بأسلوب المربعات، وغيرهم الكثير من الأساتذة المحترمون، الذين لا تكفي السطور لحصر أسمائهم، وتفنيد أفضالهم.
إن مصر بلد عظيمة فعلاً، وليس قولاً فحسب، بأياديها البيضاء على الجميع عبر التاريخ، فمنها أشرق نور الحضارة والعلم، وفيها تأسست جامعة “أون”، منذ أكثر من 5000 سنة مضت، كأول جامعة عرفها العالم، وستظل مصر منارة للعلم لكل العالم العربي.
Email: [email protected]