لواء دكتور سمير فرج يكتب.. قصة كشف الوثائق السرية الأمريكية
يعتبر حادث كشف الوثائق الاستخباراتية والدفاعية، السرية الأمريكية، من أخطر الأحداث، في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، في العصر الحديث، وقد أكدت صحيفة نيويورك تايمز أن هذا الكشف، لا يقتصر، فقط، على التقارير والوثائق المتعلقة بالنزاع بين أوكرانيا وروسيا، ولكن يشمل كذلك تحليلات، في غاية الحساسية، بشأن حلفاء الولايات المتحدة. وقد وصل عدد تلك الوثائق، المُسربة، إلى ما يزيد عن 100 وثيقة، معظمها يحمل درجة “سري للغاية”.
لقد كشفت تلك الوثائق عن معلومات، وبيانات، سرية، تشمل كافة اتجاهات مناطق النزاع في العالم، كما ضمت تحليلات، وتقديرات، عسكرية للبنتاجون الأمريكي، منها على سبيل المثال، معلومات حول استعدادات إسرائيل لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، على الرغم من إعلان حيادها في هذا النزاع. كما عرضت الوثائق تفاصيل مناقشات، خاصة، دارت مع كبار المسؤولين، في كوريا الجنوبية، للضغط على الحليف الآسيوي، للمساعدة في إمداد أوكرانيا بالأسلحة، رغم ما أعلنته سول عن حياد موقفها. كذلك كشفت الوثائق عن تجسس واشنطن على الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، الأمر الذي قابله غالبية الشعب الأوكراني بالكثير من الدهشة، والإحباط، إذ اعتبروا تفسير ذلك أن الولايات المتحدة تتعامل مع أوكرانيا باعتبارها عدو وليس صديق، وهو الأمر الذي أثار القلق بين المسؤولين الأمريكيين، وفق تعليق شبكة CNN، بسبب استياء الجميع، أعداءً وحلفاء، بعدما تأكد لهم تجسس واشنطن عليهم.
بالإضافة لذلك، كشفت تلك الوثائق، السرية للغاية، وجود عدد محدود من القوات الخاصة، لدول حلف الناتو، تعمل داخل أوكرانيا، أكبرها الوحدة البريطانية، تليها وحدة من لاتفيا، ثم وحدات من كل من فرنسا، والولايات المتحدة، وهولندا، وهو ما لم يكن معلناً، بالطبع، ولا حتى معروفاً، ولو على مستوى روسيا. فخرجت تلك التسريبات، لتعطي موسكو الذريعة، للتأكيد على أنها لا تحارب أوكرانيا، فحسب، وإنما تواجه دول حلف الناتو. وعلى الصعيد المقابل، حددت الوثائق التجهيزات الجارية لإعداد 12 لواء، من القوات الأوكرانية الجديدة، للقيام بهجوم مضاد، في الربيع القادم، ضد القوات الروسية، لاستعادة المقاطعات الأربع؛ لوهنسيك، ودونتسيك، وذابورجيا، وخيرسون، الذين سيطرت عليهم روسيا، وضمتهم لأراضيها.
وأشارت تلك الوثائق المسربة، أن وزارة الدفاع الأمريكية تُقدر خسائر روسيا، في الحرب الجارية، بنحو 223 ألف جندي، حتى الآن، ما بين قتيل وجريح، مقابل 131 ألف جندي على الجانب الأوكراني. وفي نشرها لهذه الوثائق، ذكرت صحيفة واشنطن بوست، أن أمريكا تشك في قدرة أوكرانيا على القيام بأي هجوم مضاد، في الربيع القادم، نظراً لمحدودية قواتها، وهو ما يعني أن مثل ذلك الهجوم لن ينجم عنه إلا مكاسب متواضعة على الأرض، مما سيكون له أثر سلبي كبير على القوات الأوكرانية، التي بدأت تعاني من قلة مخزون الصواريخ والمدفعية، التي استنزفتها في القتال، خلال فترة الشتاء، وقد أثارت، تلك التقديرات الأمريكية، استياء القيادة العسكرية الأوكرانية.
وعلى الصعيد الصيني، أفصحت الوثائق، بنسبة كبيرة من الثقة، عن احتمال قيام الصين بإرسال أسلحة ومعدات قتالية إلى روسيا، رغم نفي الصين التام لذلك، وقد استندت الوثائق في تقديراتها على ما قامت به الصين من تطوير لأسلحتها ومعداتها، وفي ظل التشابه بين الأسلحة والمعدات المستخدمة بين القوات المسلحة الصينية والروسية، فسيكون من السهل على الأخيرة استخدام الأسلحة الصينية المطورة. كما كشفت الوثائق عن قيام الصين بإجراء اختبارات على أسلحة تجريبية، وتحديداً الصاروخ DF27، الذي يفوق سرعة الصوت، إذ حلق لمدة 12 دقيقة، قطع خلالها مسافة 2100 كيلومتر. وفي سياق متصل بالصين، ووفقاً للوثائق الأمريكية المُسربة، فإن وزير الدفاع البريطاني قد أمر بنشر حاملتي طائرات بريطانيتين في المحيطين الهندي، والهادي، لمواجهة أي تحرك عسكري صيني، تجاه تايوان.
وفي ظل ما أفصحت عنه تلك الوثائق الأمريكية، من معاناة الدفاعات الجوية الأوكرانية من نقص حاد في الصواريخ والذخائر المضادة للطائرات، في الوقت الذي تستعد فيه أوكرانيا لتنفيذ هجومها، على روسيا، في الربيع القادم، فإن البنتاجون الأمريكي، يتوقع أن تضطر أوكرانيا إلى تأجيل هجومها المرتقب، لحين استكمال الصواريخ والأسلحة المضادة للطائرات، المتوقع أن تصلها من دول حلف الناتو. ومن جهتها، وبعد تسريب تلك الوثائق، وما شملته من تقديرات وتوقعات، فقد أعلنت أوكرانيا عن تعديل خطتها للهجوم في الربيع القادم، بعدما نشرت تلك الوثائق خرائط تفصيلية لخطة الهجوم الأوكراني، على الدفاعات الروسية.
وقد أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية، أن السلطات الأمريكية ألقت القبض على جندي أمريكي، من قوات الحرس الوطني الجوي، يدعى جاك تكسيرا، يبلغ من العمر 21 عاماً، ووجهت له اتهاماً عسكرياً بالاستيلاء على تلك الوثائق، والتسبب في تسريبها، من خلال عرضها، مع مجموعة من أصدقائه، من خلال تطبيق ديسكورد. وفي نفس الوقت، وعلى الطرف الآخر، لا تستبعد الخارجية الروسية أن يكون الأمر مجرد خدعة من الولايات المتحدة الأمريكية، تستهدف بها تضليل روسيا، عما يتم التخطيط لتنفيذه في المستقبل القريب.
ولعل هذا التسريب يؤكد أن تعاملات الدول قائمة على مصالح أمنها القومي، دون غيره، فالدول لا تتعامل بمعايير الصداقة والعداء؛ فصديق اليوم، قد يصبح عدو الغد، وعليه فالجميع موضوع تحت المجهر، ولنا على ذلك دليل، عندما فوجئ العالم، منذ سنوات، ليست ببعيدة، أن الولايات المتحدة تتنصت على المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فتلك هي أساليب الاستخبارات المتعارف عليها، لتحقيق مصالح الأمن القومي للدول.