لاح في الأفق بوادر خلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حول مستقبل الحرب الإسرائيلية على غزة، وهو ما تجلى في ستة مواقف رئيسية؛ بدأت باعتراض الإدارة الأمريكية على استهداف المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني، كما جاء على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، مؤكداً ضرورة بذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين في غزة، ومرة أخرى، في تصريح جيك سوليفان، مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، أثناء زيارته لإسرائيل، بضرورة أن تكون عمليات إسرائيل في غزة، في المستقبل القريب، أقل شدة. ثم أخيراً، تعليق الرئيس الأمريكي، الأكثر قسوة، والأقوى انتقاداً، والذي حذر فيه إسرائيل بمخاطراتها بخسارة الدعم الدولي، جراء سياسة القصف العشوائي.
وظهر الخلاف الثاني عند إعلان نتنياهو تولي إسرائيل المسئولية الأمنية الشاملة في غزة بعد الحرب، إذ رد عليه الرئيس الأمريكي، فوراً، بأن محاولة إعادة احتلال غزة سيكون خطأً فادحاً، مضيفاً أن حكم قطاع غزة والضفة الغربية لابد وأن يبقى بيد السلطة الفلسطينية، في نهاية المطاف. أما ثالث نقاط الخلاف فقد بدا عند تصريح نتنياهو بعزمه إقامة شريط على الحدود، بين غزة وإسرائيل، بعمق يصل إلى ثلاثة كيلو مترات، ليكون بمثابة منطقة عازلة لتأمين المستوطنات الإسرائيلية، وهو ما رفضته، كذلك، الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يقتصر الخلاف على ذلك، بل امتد إلى إعلان الولايات المتحدة رفضها للمخطط الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، وذلك بعد الإعلان الصريح من الرئيس السيسي، برفض مصر لذلك المخطط، ومراقبتها لمحاولات إسرائيل لدفع الفلسطينيين، في غزة، للنزوح جنوباً نحو رفح، لعبور الحدود المصرية إلى سيناء. وقد أبلغ الرئيس الأمريكي نظيره المصري بأن الولايات المتحدة لن تسمح، بأي حال من الأحوال، بالتهجير القسري للفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، أو إعادة ترسيم الحدود. كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي في تغريدة على منصة “إكس” “برفض” التهجير القسري للفلسطينيين. وخلال مقابلة بين الرئيس السيسي والسيدة كامالا هاريس، نائب الرئيس الأمريكي، في الإمارات، على هامش قمة المناخ، أكدت، مرة أخرى، على رفض أمريكا للمخطط الإسرائيلي.
ودارت خامس الخلافات حول إعلان ضرورة حل القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين، مع الالتزام بحدود الرابع من يونيو 1967، والقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين، كما سبق وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مقابل تمسك نتنياهو بأن تكون إسرائيل دولة واحدة، تجمع اليهود والمسلمين والمسيحيين. أما أحدث، وأهم، نقاط الخلاف، فتمثل في رغبة الولايات المتحدة إنهاء تلك الحرب في غضون الأسابيع القليلة القادمة، قبل بدء المعركة الانتخابية على كرسي الرئاسة، في البيت الأبيض، والمقرر انطلاقها مع بداية العام القادم، في ضوء تخلف جو بايدن بنحو 4 نقاط، في استطلاعات الرأي العام، خلال الأسابيع الماضية، عن غريمه في الانتخابات، ومرشح الحزب الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب.
يعود ذلك التراجع إلى غضب الشعب الأمريكي مما يجري في غزة، على مدار أكثر من شهرين، اطلعوا خلالهم على معاناة الشعب الفلسطيني، وتابعوا مشاهد قتل النساء والأطفال، جراء الغارات الإسرائيلية، التي تؤيدها أمريكا. فعلت الأصوات الأمريكية المنتقدة لاستخدام أموالهم، كدافعي ضرائب، لتسليح إسرائيل، في حربها اللاإنسانية على أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، والتي طالت الضفة الغربية، غير المحكومة بحركة حماس. وأمام حالة الغضب الأمريكي، أرسل جو بايدن مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، إلى إسرائيل، للتأكيد على حكومتها بضرورة إنهاء حربها على فلسطين خلال الأسابيع القادمة، إلا أن نتنياهو أبلغه بأن في ذلك إعلاناً بنصر حماس، مما اضطر سوليفان لتغيير لهجته، في أعقاب الزيارة، بالتصريح بأن “الحرب قد تطول ولكن على مراحل”.
ورغم الدعم المطلق من الإدارة الأمريكية لإسرائيل عامة، وفي حربها الجارية ضد حماس خاصة، إلا أن حرص جو بايدن على خوض معركة الرئاسة، المرتقبة، دون ضغط شعبي، من الرأي العام الأمريكي، من شأنه تقليص فرص نجاحه، واستمراره في كرسي الرئاسة، في البيت الأبيض، قد دفعه لأن يطلب من نتنياهو تغيير حكومته اليمينية، الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، بعدما فقدت تلك الحكومة الدعم الدولي، من ناحية، نتيجة للقصف العشوائي، والغاشم، على فلسطين، والذي راح ضحيته أعداداً هائلة من المدنيين، ومن ناحية أخرى، بسبب رفض تلك الحكومة لحل الدولتين. وهو ما رد عليه نتنياهو بأنه “لن يسمح بخطأ العودة إلى اتفاق أوسلو”، مضيفاً أنه “لن يسمح لغزة والضفة الغربية أن تكونا حماسستان وفتحستان”.
ومن هذا يتضح أن زيارة جيك سوليفان إلى إسرائيل وإلى رام الله، في الأسبوع الماضي، تأتي في إطار المواءمة الأمريكية بين دعمها لإسرائيل من ناحية، وهدفها من تهدئة الرأي العام الأمريكي، قبيل الانتخابات الرئاسية من ناحية أخرى، وهو ما أظن أن إسرائيل قد تفهمته، حتى وإن لم تدل لهجات المؤتمرات الصحفية عليه، ولم يُعلن عنه صراحة، ولكنها ستنفذ معظم المطالب الأمريكية، مثلما قررت فتح معبر كرم أبو سالم لزيادة مرور المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وعلى أية حال، فإن الأيام القادمة ستكشف ما حققته زيارة سوليفان إلى إسرائيل ورام الله، والمقرر أن تتبعها زيارة وزير الدفاع الأمريكي، إلى المنطقة، والتي لا تهدف، جميعها، إلا لدخول أمريكا العام الجديد، وبدء معركتها الانتخابية، دون “الصداع” الناتج عن الحرب الإسرائيلية الفلسطينية في غزة!
Email: [email protected]
لواء دكتور/ سمير فرج يكتب…هل بدأ الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول غزة؟