دكتور نادر الصيرفي المحامي والباحث المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين
يثار الجدل حول الطبيعة القانونية للزواج المسيحي، فهل يعد الزواج المسيحي نظاماً مدنياً كما هو الحال في الشريعة الإسلامية أم هو نظام ديني يتميز بالشكلية المفرطة، وإن كانت الأحكام القضائية تعتبر أن الزواج المسيحي سر ديني، فما هي الشروط الموضوعية لصحته؟ ومدى جواز تقييد انعقاد الزواج المسيحي؟ وهل يكفي رضاء الزوجين أم هناك أشخاص لهم الحق في الاعتراض على اتمامه؟ ومدى إمكانية تصحيح الزواج في المستقبل حال نشوءه باطلاً ؟ وهل تعترف القوانين المسيحية بالأبناء غير الشرعيين في حالة مخالفة القواعد الموضوعية في لائحة الأقباط ؟ وهل يرث هؤلاء ؟ وهل تعتد المرأة المسيحية قبل الزواج الثاني؟ وما هو موقف الرئاسة الدينية من الزواج الفاسد ؟ وما هي سلطة القضاء في مراقبة ذلك؟
نصت المادة رقم ( 15 ) من لائحة الأقباط الأرثوذكس على : الزواج سر مقدس يثبت بعقد يرتبط به رجل وامرأة ارتباطاً علنياً طبقاً لطقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بقصد تكوين أسرة والتعاون في شئون الحياة.
والإشكالية التي يثيرها هذا النص أنه اعتبر عقد الزواج المسيحي يتعلق بالإثبات لا بالإنعقاد . ولا ينعقد العقد إلا باتمام المراسيم الدينية على يد رجل دين وفقاً لطقوس الكنيسة. الأمر الذي لا يجعل معه توثيق عقد الزواج ركنا من أركان الزواج المسيحي، وبعبارة أخرى أنه يكفي لانعقاد الزواج المسيحي تحقق الجانب الشكلي من اتمام الطقوس دون اشتراط توثيق العقد سواء بالمحكمة أو بالسجل المدني.
وقد أيدت محكمة النقض هذا الاتجاه واعتبرت أن توثيق عقد الزواج ليس شرطاً لازماً لحصة عقد الزواج، بمعنى أن عدم توثيق عقد الزواج أصلاً او التراخي في توثيقه أو عدم مراعاة اجراءات التوثيق لا يؤثر في صحة الزواج ( الطعن رقم 350 لسنة 68 قضائية – دائرة الأحوال الشخصية – جلسة 9/2/2022 )
ويبنى على شكلية الزواج المسيحي عدة أمور في غاية الأهمية
الزواج في الشريعة المسيحية هو نظام ديني لا يكفي لانعقاده توافر الشروط الموضوعية من حيث الأهلية والرضا وانتفاء الموانع، وأنما يلزم أن يتم الزواج علنا وفقاً للطقوس الدينية وبعد صلاة الإكليل وإلا كان الزواج باطلاً.
من خصائص الزواج المسيحي حظر تعدد الزوجات، ذلك أنه علاقة فردية لا يمكن أن تنشأ إلا بين رجل واحد وامرأة واحدة، ويعتبر الزواج الثاني باطلاً ولو رضى به الزوجان ويكون للزوجان ولكل ذي شأن الطعن فيه إذا تم مخالفة قاعدة حظر التعدد.
يقوم الزواج المسحيي على فكرة الشكلية المفرطة من خلال اتمام المرسيم والطقوس الدينية. الأمر الذي يجيز معه للرئاسة الدينية التأكد من توافر الشروط الموضوعية والتحقق من انتفاء الموانع. وهو الأمر الذي يخرج القضاء من الرقابة على قرارات الرئاسة الدينية في هذا الشأن أو الزام الكنيسة بالزواج الثاني.
وتثور إشكالية هامة تتعلق بالعدة . فهل تعتد المرأة المسيحية كشرط صحة للزواج الثاني؟ أجابت لائحة الأقباط الأرثوذكس عن هذه المسألة بالإيجاب في المادة رقم ( 26 ) منها بقولها : ” ليس للمرأة التي توفى زوجها أو قضى بانحلال زواجها منه أن تعقد زواجاً ثانياً. إلا بعد انقضاء عشرة أشهر ميلادية كاملة من تاريخ الوفاة أو من تاريخ الحكم النهائي بانحلال زواجها منه إلا إذا وضعت حملها قبل هذا التاريخ . ويفهم من ذلك عدة أمور :.
الشريعة المسيحية تقر مسألة العدة كالشريعة الإسلامية تماماً.
إلا أن الشريعة المسيحية تختلف عن الشريعة الإسلامية في مسألة مدة العدة.
فرضت الشريعة المسيحية موعد تحكمي لانقضاء عدة المرأة وقدرته بعشرة أشهر.
ينقضي عدة المرأة المسيحية الحامل بمجرد وضع الحمل دون الانتظار لمدة عشرة أشهر.
جعلت الشريعة المسيحية فترة العشرة أشهر ميعاد كامل. بمعنى أنه لابد من الانتظار حتى تمام هذا الموعد وإلا كان الزواج باطلاً.
وتثور مشكلة أخرى تتعلق بمسألة ثبوت نسب الأبناء غير الشرعيين، وهذه المسألة من اللازم مناقشتها. ذلك لأن الزواج المسيحي هو زواج شكلي لا ينعقد إلا بصلاة الإكليل، والواضح أن الشريعة المسيحية في المادة ( 79 ) منها قد اتجهت إلى عدم الاعتراف بالأبناء غير الشرعيين من أولاد الزنا أو زنا المحارم إلا أنها يسرت الأمر بالنسبة للأولاد المولودون قبل الزواج، حيث اعتبرتهم شرعيين بأمران :
الأمر الأول : اتمام الزواج على يد رجل الدين.
الأمر الثاني : اقرار الزوجان أمام الكاهن ببنوتهم للمولود أو الجنين.
أما إذا لم يتحقق الشرطان المشار إليهم يعتبر الأبناء غير شرعيين في نظر شريعة الأقباط التي تتمسك بالشكلية في مسألة الزواج. وفي هذه الحالة يحرم الأبناء غير الشرعيين من الميراث عملاً بنص المادة ( 234 ) من لائحة الأقباط الأرثوذكس التي تنص على : ” أسباب الأرث هي الزوجية والقرابة الطبيعية الشرعية، فالذين لا تربطهم بالمتوفى رابطة زواج كزوج الأم وامرأة الأب ولا قرابة طبيعية كالمتبنى لا يرثون شيئاً بغير وصية… “.
وخلاصة القول أن الطبيعة الشكلية في الزواج المسيحي والتي تقتضي أن يتم الزواج على يد رجل دين وفقاً للطقوس الدينية، هي السبب الرئيسي في الأمور التالية :
بطلان الزواج المسيحي لو لم يتم على يد رجل دين. وإذا تم وفقاً للمراسيم الدينية يكون صحيحاً ولو لم يتم توثيقه.
للرئاسة الدينية أن تتحقق قبل اتمام المراسيم الدينية من توافر الشروط الموضوعة للزواج من أهلية ورضا ومن انتفاء الموانع، الأمر الذي يغل يد القضاء من مراجعة الرئاسة الدينية في هذا الشأن.
هناك صفة خاصة بالمرأة المسيحية تمنعها من اتمام الزواج الثاني وهي وجوب انقضاء عدتها ولا يصح الزواج قبل تمام فترة العدة ولو تمت مراسيمه الدينية.
لا يعطي النظام الديني في الزواج المسيحي الحق لرجال الدين في تشريع القوانين الوضعية لأسباب الطلاق. ذلك لأن الثابت عدم خضوع الأمر للإجماع العام كما في حالة حظر تعدد الزوجات.