محمد علي الطوبجى....يكتب حرب أكتوبر والخلاف السنوي التقليدي
بعد ايام سوف تحل الذكري الخمسون لحرب السادس من اكتوبر المجيدة ، وهي الحرب التي يحمل لها في نفوسنا كمصريين اعتزازا خاصا نظرا لكل المعاني العظيمة التي كانت ترمز اليها ولانها احيت الامل وبعثت الروح فينا وسط الضباب الكثيف والاحباط الشديد الذي خيم علي حياتنا وعلي المنطقة العربية برمتها بعد كارثة حرب الخامس من يونيو ١٩٦٧ لا اعادها الله ، الحرب التي ضاعت فيها اراض ثلاث دول عربية احتلتها اسرائيل ولم تكن تنوي الخروج منها ان سلما او حربا…
ومع ذكري حرب اكتوبر ، يتجدد الخلاف السنوي التقليدي بين من يرون انه كان يجب الحفاظ علي روح اكتوبر العظيمة ونتائجها وعدم التفريط فيها ، كما فعل الرئيس السادات بمبادرته للسلام في نوفمبر ١٩٧٧ التي قادته الي مفاوضات كامب دافيد، وانتهت به الي السلام مع اسرائيل بالمعاهدة التي فتحت الطريق الي ما بعدها ، وبين من يرون انه ذهب الي ما ذهب اليه مرغما بعد ان اغلق الامريكيون والاسرائيليون والسوفيت كل الابواب في وجهه ، وان تداعيات ما بعد اكتوبر كانت تتفاعل كلها في غير صالح مصر، لان الحرب رغم ما بذلته مصر فيها لم تغير حقائق القوة علي الارص علي نحو ما كانت تامله وتتوقعه..
وللتذكير ، فان بدايات حرب اكتوبر ، اي ايامها الست الاولي ، هي اعظم واروع ما فيها بانجاز العبور العظيم لقناة السويس ، وبعدها كان للتدخل العسكري الامريكي المباشر فيها باسلحتهم وباقمارهم التجسسية اثرها الكبير في قلب موازينها وتغيير مجراها مما اضطرنا الي طلب تدخل الامم المتحدة ووقف اطلاق النار، ولندخل في دوامة جديدة كانت مصر تتصور انها قد نجاوزتها وخرجت منها عندما ذهبت الي حرب اكتوبر.. لكنها وجدت نفسها من جديد امام مازق كيف يمكن اجبار الاسرائيليين علي اخلاء سيناء من تواجدهم فيها ، بعد حرب كبيرة اخذت منها ما اخذت، ولم تحقق لها ما ارادته منها ؟
ولكي نكون منصفين وواقعيبن وموضوعيين في حكمنا علي كل ما جري خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخنا ، فانه يجب علينا دراسة الموقف كله منذ نهاية حرب اكتوبر وما جري فيها وما اعقبها من احداث، وحتي اعلان الرئيس السادات عن مبادرته للسلام ، اربع سنوات كاملة من المراوغات الاسرائيلية المدعومة امريكيا عسكريا ودبلوماسيا واعلاميا وداخل مجلس الامن الدولي وخارجه .. مما وصل بنا الي نهاية طريق مسدود.. وبلا خيارات قادرة علي احداث اختراق يذكر.. ولينضم السوفيت الي الامريكيين َقتها في الدعوة الي تحقيق السلام في الشرق الاوسط بالاساليب الدبلوماسية التفاوضية ، وليس بالقوة او بالصدام والحرب.. والوثائق تشهد بذلك لتبرز حجم المعضلة التي كان علي مصر ان تواجهها وتبحث لنفسها عن مخرج منها بالاعتماد علي امكاناتها الذاتية وحدها.. بعد ان انشغل السوفيت عن ازمات الشرق الاوسط بوفاقهم الجديد مع امريكا والذي قام علي التهدئة وتجنب الصدام وتغليب لغة المصالح المشتركة علي ما عداها…..
والآن ناتي الي السؤال الاهم : ماذا كان امام السادات من خيارات يتحرك بها : هل باعادة تاهيل الجيش لخوض حرب كبيرة مرة اخري، وهو ما لم يكن ممكنا علي الاطلاق ؟ ام الانتظار لسنوات اخري تاركا اسرائيل تملا سيناء بالمستوطنات والقوات والقواعد الجوية والعسكرية الاسرائيلية ولتضاعف من تهديدها لامن مصر القمي اضعافا ؟ ام بالذهاب الي التفاوض المباشر معها علي قاعدة الارض مقابل السلام بوساطة وضمانات امريكية، اي بضمان من امريكا حليف اسرائيل الاستراتيجي الاول وصاحبة التاثير الاقوي عليها ؟ اي هذه ااخيارات الثلاثة كانت ستحرر لمصر ارضها وتعيد اليها سيناء المحتلة بعد دخول اسرائيل اليها وتغلغلها فيها وبعد استيلائها علي ثرواتها البترولية وتمركزها علي الجانب الآخر من قناة السويس ؟
القضية ليست حب او كراهية السادات او غيره، فهذا هو آخر ما يجب ان يشغلنا، وانما هي ماذا كان لاي قيادة سياسية مصرية ان تفعله لتحرر كل هذه الاراضي المصرية المحتلة والتي كانت مهددة بالضياع الي الابد ؟ وهل كانت ستعود بالشعارات والعنتريات ام بالجهود الدبلوماسية المضنية التي بذلها مفاوضون مصريون في ساحات التفاوض الدبلوماسي لا بقلون بسالة ووطنية عن نظرائهم في ساحات الحرب والقتال ، حتي اذا عادت الي اصحابها واستقرت اوضاعها ، تصبح الامور مرهونة باوقاتها ، ولبصبح لكل حادث حديث.. ولا احتاج هنا الي التذكير بما فعله غيرنا من اعلانهم انهم سيستردون بالحرب وحدها ما فقدوه في حرب يونيو ٦٧ ، وها هي اراضيهم قد ضاعت منهم وضمتها اسرائيل اليها.. ولم نعد نسمع عنها.. وكان من الممكن ان تضيع سيناء مثلها..
المهم في النهاية ان اراضينا عادت الينا بعد ان سلكنا طريق الحرب والدبلوماسية معا، وهو ما يحسب لنا ويجب ان نكون فخورين به… وكل عام وكل ٦ اكتوبر والمصريين بالف خير ان شاء الله….