وصلت الحرب، بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية، “حماس”، شهرها السادس، تمكنت خلالهم قوات الاحتلال الإسرائيلية من اقتحام شمال ووسط غزة، وأجبرت الأهالي على النزوح جنوباً، باتجاه رفح، التي يحتشد فيها، اليوم، مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني، على مساحة لا تتجاوز 8 كيلومتر مربع.
ولم تكتف إسرائيل بذلك، بل مدت هجومها، في الأول من أبريل الجاري، لمبنى القنصلية الإيرانية، بالعاصمة السورية، دمشق، بواسطة طائرة F35، مستخدمة ستة صواريخ أسفرت عن مقتل 16 فرد، منهم سبعة إيرانيين، بينهم العميد محمد رضا زاهي، المنسق الأول المسؤول عن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والمسؤول عن أعمال الحرس الثوري في لبنان وسوريا، ومعه نائبه العميد محمد هادي رحيمي، والعميد مهدي جلالتي، وأربعة ضباط إيرانيين، لتزداد الأوضاع توتراً في الشرق الأوسط، لتبلغ حد الغليان.
وقد صنفت الأوساط الدبلوماسية ذلك الهجوم، على مبنى القنصلية في دمشق، بمثابة هجوم على أراض إيرانية، إعمالاً لاتفاقية فيينا لعام 1961، التي أقرت في المواد 22 و24 على حرمة البعثات الدبلوماسية خارج أرض الوطن. ولقد أثار ذلك الحدث غضب في الشارع الإيراني، خاصة وأنه جاء بعد سنوات من حادث مقتل قاسم سليماني، قائد قوات فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني في 3 يناير 2020، ومعه تسعة آخرين، في غارة جوية أمريكية استهدفت سيارتهم خارج مطار بغداد الدولي.
كان اغتيال قاسم سليماني، قد تم، آنذاك، تنفيذاً لأوامر الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، مما أثار ردود فعل واسعة في إيران، لما كان لسليماني من شعبية جارفة بين صفوف الشارع الإيراني، فلا تكاد مدينة إيرانية تخلو من رفع اسم قاسم سليماني على أحد شوارعها، أو ميادينها، أو مدارسها، أو معالمها الحيوية. وعليه فقد قامت إيران، حينئذ، بتوجيه ضربة صاروخية ضد قاعدة عين الأسد الأمريكية، في غرب العراق، ورغم أن الرشقات الصاروخية الإيرانية، لم تتجاوز أسوار القاعدة، فقط، غير مُخلفة أي إصابات، إلا أنها لاقت احتفاء الشعب الإيراني، لمجرد قصف القاعدة الأمريكية بصواريخ إيرانية.
وبعد مرور سنوات على اغتيال سليماني، أعلن الرئيس السابق، ترامب، منذ عدة شهور، خلال أحد جولاته ضمن الحملة الانتخابية الجارية، أن استهداف إيران لقاعدة عين الأسد، تم بالتنسيق مع الإدارة الإيرانية، التي أبلغته بعزمها قذف القاعدة من ناحية الأسوار، فقط، وتعهدها بعدم خدش أي جندي أمريكي، كما أبلغته بأن هذا العمل لا يتخطى كونه إجراءً لتهدئة الرأي العام الإيراني! وقد كانت تلك التصريحات بمثابة لطمة شديدة على وجه الشعب الإيراني.
ولما نفذت إسرائيل هجومها على القنصلية الإيرانية بسوريا، الذي راح ضحيته سبعة ضباط إيرانيين، انتفض الشعب الإيراني، مجدداً، مطالباً إدارته بالثأر من إسرائيل، مما دفع القيادة الإيرانية لتوعد إسرائيل برد قاس، على الهواء مباشرة، وقامت، بالفعل، في يوم 13 أبريل، بشن هجوم، استمر 5 ساعات، تم خلاله إطلاق نحو 185 طائرة مسيرة، و110 صاروخ إيراني أرض-أرض، و36 صاروخ كروز، باتجاه إسرائيل.
وقبل ساعات، قليلة، من تنفيذ الهجوم، وفي أحد البرامج الإخبارية، على التليفزيون المصري، كان رأيي أن هذه العملية معروفة مسبقاً لأمريكا، من خلال دولة وسيطة بين أمريكا وإيران، التي تولت إبلاغ أمريكا، بأن إيران ستنفذ عمليتها في اليوم المحدد، وفي الساعة المحددة، وأن كل المسيرات والصواريخ ستوجه لأماكن خالية من السكان، وبالطبع، فقد تولت أمريكا إبلاغ إسرائيل، وعدد من دول المنطقة، بتفاصيل العملية الهجومية، والتي تجئ، مرة أخرى، في إطار محاولات تهدئة الشعب الإيراني، ورد كرامته، بعد الغارة الإسرائيلية، التي قتل فيها سبعة من قادة الحرس الثوري إيراني.
وبدورها أكدت أمريكا على إسرائيل ضرورة تقبل تلك الضربة، وأعلنت أنها ستساعدها في صد تلك الهجمات من خلال القواعد الأمريكية في كل من العراق وسوريا، ومن خلال المدمرات الأمريكية، التابعة للأسطول السادس في البحر المتوسط، مع التشديد على عدم قيام إسرائيل بأي ضربات انتقامية ضد إيران بعدها. وبالفعل نجحت الولايات المتحدة في إجبار إسرائيل على تلقي الضربة الإيرانية الأولى، التي تم خلالها تدمير 99% من الطائرات المسيرة الإيرانية، قبل وصولها لإسرائيل، بمعرفة القواعد الأمريكية، والقوات البريطانية، والفرنسية، وأخيراً القوات الإسرائيلية.
ولم تسفر العملية الإيرانية، إلا عما أظنه قد تم الاتفاق عليه مسبقاً، من إصابة أحد القواعد الإسرائيلية، في صحراء النقب، والتي كبدت إسرائيل مليار وثلاثمائة مليون دولار، تكلفة الصواريخ المضادة، التي أطلقتها ضد المسيرات والصواريخ الإيرانية، وأصيبت خلالها فتاة إسرائيلية واحدة. وهكذا مرت العملية الإيرانية “بسلام”، وسط احتفال الشعب، في كل المدن الإيرانية، وهو يتابع إقلاع طائراته وصواريخه، وتحليقها فوق الأردن والعراق، لمهاجمة إسرائيل.
وبعد 5 ساعات انتهت المسرحية، ونجحت أمريكا في عدم تحول المنطقة إلى حرب إقليمية، لنعود بعدها للتفكير، مرة أخرى، فيما سيجري في غزة، في الفترة القادمة، خاصة بعد رفض حماس للمقترحات الأمريكية، التي قُدمت في الأسبوع الماضي. وفي رأيي أن المستفيد الأوحد، من مسرحية “رد الكرامة”، هو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي جاءته تلك العملية كقبلة الحياة، خاصة بعدما ساءت العلاقات بينه وبين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في الأسابيع الماضية، بسبب إصراره على اجتياح رفح، رغم مغبات تلك العملية.
وهكذا انتهت هذه التمثيلية، ونعود للتركيز في الكارثة التي تعانيها غزة.