يتغلغل العشق في قلب الإنسان فيكون أنيسه وجليسه الليل.
يجاهد الإنسان نفسه، ويقرعها بزواجر الوعظ، ويبعث فيها الهمة لمناجاة الرب وحده، فيأنس بالليل، ويقف متبتلا لله.
يسيطر الهم على إنسان حاصرته الديون، وأرّقته الأحزان، وداهمته الشدائد، فيهرع إلى خلوته، وقد طال به الليل.
يَدْلَهِمّ الظلام؛ فتفرح خفافيش الكهوف، وتخرج باحثة عن رزقها في الليل.
يخيِّم الظلام بسرباله المخيف، فيبزغ القمر باسما لسكان الأرض.
يكدح العامل، ويكِدّ البَنّاء، ويتعب المزارع، ويغلقون عُمّار الأرض ملفاتهم، ويستنفد الطفل طاقته، فيخلُدون جميعا إلى الليل، بحثا عن النوم والراحة.
مجرات هائلة تولد وتموت، تتجول في هذا الكون بحركة دائبة، أفلاك ونجوم، ونيازك وشُهُب وثقوب سوداء، في فضاء لا يعلم مداه إلا خالقُه، بين نهار منتشر، وليل مهول، وفضاء مترامي الأطراف يتسع لأكثر من ١٥ مليار سنة ضوئية مسبِّحةً مُذعِنةً لله.
هَمْهَمَاتُ العشاق، وتباريح المشتاق، ونضوج اللواعج والأشواق، يصفو به الليل.
سريان الأقدار، وجريان الأرزاق، وسهام المكلومين، ودعوات المظلومين، وانهمار دموع المحزونين، وأنين المرضى، كل ذلك يتجلى في الليل.
إنه الليل..
بكل تفاصيله المدهشة، وشفاه الشيوخ المرتعشة، وحكاياته العجيبة، وذكرياته الطويلة، وقصصه العميقة، وتعرجاته الدقيقة، تطول وتقصر، وتتسع وتضيق، كل ذلك في قلب إنسان يشعر ويُحس، ويتأمل في الليل.
جرب أن تكون مرَّةً صديقا للَّيل، تمازحه، تجالسه، تؤانسه، تحكي له، وتشكو له، تستودع فيه أسرارك، وتقص له أخبارك، فهو صديق أمين، وسمير وفي، وناصح لا يكذب، ورفيق لا يخون.
وسيكون أجمل إن ناجيتَ فيه خالقه، ومددت يديك تطلب منه ما تريد، فإنه أقرب إليك حينها من حبل الوريد.