قَالَتِ الْحُلْوَةُ لَمَّا لَقِيَتْنِي بَعْدَ غَيْبَهْ:
يَا أَبِي، عِمْتَ رُجُوعًا وَمَحَبَّهْ
كَيْفَ حَالِي بَعْدَ شَهْرٍ شُفْتَ فِي عَيْنَيْهِ رَبَّهْ
وَشَرِبْتَ النُّورَ مِنْ كَفَّيْهِ!
بَلْ أَدْمَنْتَ شُرْبَهْ
وَنَسِيتَ السَّطْرَ
لَمْ تَسْجُدْ عَلَى الأَوْرَاقِ..
لَمْ تَنْظُرْ بِرِفْقِ الشِّعْرِ فِي الحَاسُوبِ..
لَمْ تَعْزِفْ عَلَى “الْكِيبُورْدِ” طُولَ الليْلِ
كَيْ تُطْلِقَ غَيْمَ الشِّعْرِ
-فِي سَاعَاتِهِ السَّمْرَاءِ كَالْقَرْيَةِ حَوْلِي-
وَتَصَبَّهْ
وَالْمَصَابِيحُ هُنَا فِي حُجْرَةِ الْمَكْتَبِ
كَمْ أَمْسَتْ نِيَامَا
كُلَّمَا طَمْأَنْتَهَا أَنَّ ضِيَاءَ الشَّاشَةِ السَّهْرَانَ
يَحْسُو قَهْوَةَ الشِّعْرِ الَّتِي تَكْفِي نَدَامَى..
وَنَدَامَى
قَهْوَة الشِّعْرِ الَّتِي تُوقِظُ قَلْبِي طُولَ عُمْرِ الْحُبِّ
مِنْ تَأْثِيرِ شَرْبَةْ
مُنْذُ شَهْرٍ لَمْ تَقُلْها
-يَا رَقِيقَ الْقَوْلِ-
لِلْمِصْبَاحِ فِي السَّقْفِ:
((…لِيَرْتَحْ حَارِسُ السَّقْفِ الَّذِي يَعْمَلُ (دُبْلِيرَ) شُمُوسٍ
فِي نَهَارٍ كَهْرَبَائِيِّ الْبَيَاضِ..
انْتَهَتِ النَّوْبَةُ يَا مِصْبَاحُ
حَانَتْ لِشُمُوسِ الشِّعْرِ فِي شَاشَةِ حَاسُوبِيَ نَوْبَةْ)
وَتَخَيَّلْ!!
مُنْذُ شَهْرٍ أَنْتَ لَمْ تُجْرِ اتِّصَالاً هَاتِفِيًّا عَفَوِيًّا
لِتَقْولَ اسْمِي؛ وَتَحْكِي
-عَنْ عُيُونِي وَجُنُونِي وَشُجُونِي، وَجَمَالِي،
وَظِلالِي وَهِلالِي…
وَنوافير سَحَابِي وَمَوَاقِيتِ شَبَابِي
وَطُفُولاتِ حُرُوفِي وَرَبِيعِي وَخَرِيفِي-
لِلْأَحِبَّهْ
أَوَلَمْ تَشْتَقْ إِلَيَّا؟!
مِثْلَمَا كُنْتُ أُرَبِّي الشَّوْقَ أَوْ كَانَ يُرَبِّينِي
يَتِيمَيْنِ اقْتَسَمْنَا فِيكَ خُبْزَ الذِّكْرَيَاتِ الأَخَوِيَّا
وَوَقَفْنَا فِي مَحَطَّاتِ انْتِظَارٍ..
كَمْ وَقَفْنَا كَيْ تُطِلَّ…/ الْوَقْتُ مَرَّ..
الْوَقْتُ فِي كُلِّ مَقَايِيسِ الزَّمَانِ الصَّعْبِ كَمْ كَانَ بَطِيّا؟!
وَلَكَمْ جِئْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ
حَتَّى أَتَقَصَّى خَبَرَ النَّبْضِ الَّذِي فِي قَلْبِكَ الْعَامِر بِاللهِ
سُؤَالِي يَقْرصُ النَّبْضَ بِقَلْبِي
فَيُحَنِّي بِاحْمِرَارِ الْقَرْصِ دَوْمًا شَفَتَيَّا
“كَيْفَ لَمْ تَسْأَلْ طَوَالَ الشَّهْرِ عَنِّي
أَوْ أَجدْ فِي مُقْلَتَيْكَ الْقَلَقَ الْبَادِيَ في صِدْقٍ عَلَيَّا
أَمْ غَدَتْ بِنْتُكَ نَسْيًا
وَهْيَ لَمْ تَعْهَدْكَ فِي الشِّعْرِ نَسِيَّا!!
قُلْتُ: يَا بِنْتِي، وَرَبِّي! ….
كُنْتِ فِي الْمَسْجِدِ جَنْبِي! جَنْبَ قَلْبِي
مُضْغَةً تُكْسَى بِلَحْمِ الرُّوحِ عِشْقًا
قَبْلَ أَنْ تُولَدَ ضَيَّا
كُلَّمَا أَعْلَنَ قَلْبِي ثَوْرَةَ الْعِشْقِ لِرَبِّ الْكَوْنِ
فِي عَصْرِ سُجُودِي
كُنتِ تنْمِينَ عصورًا زِدْنَ فيّا
وتمنِّينَ بِطَعْمِ الْحِبْرِ يُمْنَايَ
وَتُغْرِينَ خَيَالِي فَيَبُثُّ الْخَيْلَ فِي عُشْبِ شَرَايِينِي
لِتَرْعَى الْوَقْتَ رَعْيَا
فَاتِحًا بِالشَّوْقِ أَقْمَارًا وَبِالْعِشْقِ ثُرَيَّا
أوَ تَجُوبِينَ بِجَيْشِ الشَّوْقِ أَرْجَاء عُرُوقِي
تَفْتَحِينَ الْحِصْنَ إِثْرَ الْحِضْنِ حُبًا فِي زَوَايَا خَلَجَاتِي
بَعْدَ أَنْ كَانَ عَصِيَّا
وَتَدُقِّينَ بِعَزْمِ الرِّفْقِ بِيبَانَ يَدَيَّا
كُلُّ شَيْءٍ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يُوحِي لِي
بِشَكْلِ الْوَرَقِ الأَبْيَضِ..
حَتَّى فِي وُقُوفِي فَوْقَ سَجَّادَةِ هَذَا الْمَسْجِدِ
(الْفَرْحَانِ بِالْمُعْتَكِفِينَ الْبِيضِ)
أَحْسَسْتُ مليا
أَنَّنِي بِي شَبَهٌ
مِنْ قَلَمِي الْوَاقِفِ فَوْقَ السَّطْرِ صَبًّا أَبَدِيَّا
بِدُمُوعِ الْعَاشِقِ الْوَلْهَانِ وَالليْلُ وُرُودٌ فِي يَدَيْهِ
يَقْطَعُ الأَوْرَاقَ مِنْها سِائِلاً:
“هَلْ يَا ترَى تَفْتَحُ سِتُّ الْحُسْنِ لِي الشُّبَّاكَ
أَمْ أَبْقَى طَوَالَ الليْلِ لا تَفْتَحُ شَيَّا!!”
لَيْسَ عِنْدِي (سِتُّ حُسْنٍ) غَيْرُ تَقْوَى اللهِ يَا بِنْتِي!
لَعَلِّي إِنْ رَجَعْتُ الدَّارَ بَعْدَ الشَّهْرِ
تَرْجِعْ مَعِيَ التَّقْوَى
وَتُصْبِحْ أُمَّكِ الْخَضْرَاءَ
مِنْهَا تَرْضَعِينَ النُّورَ حَتَّى يَطْرَحَ الإِيمَانُ فِي عَيْنَيْكِ
وَلا يَجْعَلَ رَبُّ الْحُبِّ فِي شِعْرِي وَلا حَرْفًا شَقِيَّا
لا تُطِيلِي اللوْمَ يَا بِنْتِي! وهَيَّا
كَيْ نَعُودَ الآنَ لِلدَّارِ
فَيَبْدُو أَنَّهُ مُنْذُ اعْتِكَافِي لَمْ تَنَامِي!!
وَأَنَا وَاللهِ مُشْتَاقٌ لِكَيْ أَفْرِشَ
-يَا بَابَا لكِ الآنَ مَعِي بِالشِّعْرِ وَالْحُبِّ وَبِالدِّينِ-
سَرِيرًا وَرَقِيَّا
للشاعر الكبير /أحمد حسن
زر الذهاب إلى الأعلى