أجساد فارغة تماما من كل شيء، وعقول تمت فرمتة الواقع فيها ليحل محله أيقونات متحركة.
هكذا هي حياتنا بكل المقاييس في ظل وسائل التواصل الاجتماعي.
تذهب إلى البحر الجميل المتناغم بأمواجه الساحرة؛ فتجد كل الناس قد تحولت إلى أشباح مسكونة بأشياء مختلفة، زوجان جميلان جدا، لكن كل واحد له عالمه الخاص يقلبه في جواله.
أسرة أصيلة نبيلة، بَيْدَ أن كل واحد قد غرق في دوامة متابعيه، الأب قد اعتكف كجثة هامدة منطويا على جواله، وزوجته الوقورة تتحدث مع صديقاتها عن طبخة اليوم عبر قروبها المزدحم، وشاب لا يكف عن الضحك منزويا هناك يراقب جواله الذي أخذه عن أسرته وما حوله، وفتاة غارقة في تزويق جبينها وفمها وعينيها لتلقط صورتها عبر حسابها، وطفل هناك يتمايل مع لعبته المفضلة في الآيباد.
أسرة تجمعها هياكل صامتة، ولكل واحد عالمه الخاص به.
نتزاور في مناسبات عامة، عيدٌ سنوي نشكر الله على ما أكرمنا فيه من نِعم، فيتبعثر الحضور مخدرين أمام جوالاتهم، قد التقت أجسادهم وتفرقت قلوبهم وعقولهم.
نلتقِ في زيارة عائلية أمام الجَدَّة التي تفرح بلقيانا، وترمقنا في ذات الوقت وقد زرنا جوالاتنا بدلا عنها مستغرقين في حساباتنا ومجموعاتنا الخاصة.
أصبح كل واحد منا مومياء محنطة، أو زومبي يتحرك بصعوبة.
صارت أجسادنا فارغة تماما من كل شيء، لأن ما بداخلها موزع في كل دول العالم وفي كل شيء بلا شيء ولا لشيء.
أصبحت لدينا فقط أعين تترقب قد أحيطت بهالاتها السوداء، وأصابع تتحرك بطريقة ديناميكية دون شعور تقلب في جوالاتنا الذكية الخاطفة.
استطاعت هذه الوحوش المدمرة الصغيرة أن تسرقنا جميعا بلا شعور، وأن تأخذنا إلى اللا شيء.
لعل الأجهزة التي بأيدينا تقول لنا قِفوا، واتركونا نهدأ من إزعاجكم المتكرر.
ماذا لو قَنَّنا كل أشيائنا، ووضعنا الأنصبة في موازينها الصحيحة، وأعطينا كل ذي قدر قدره، وذي حق حقه، وعدنا إلى فطرتنا التي تقول لنا قفوا.
ماذا لو استمتعنا بأوقاتنا الهادئة وتأملنا مَنْ حَولَنا دون تمثيل والتقاط صور؟